كان عبد الرحمن يدعو إلى أبي جعفر المنصور، حتى دخل الأندلس عبد الملك بن عمر بن مروان بن الحكم، ووافى عبد الرحمن فآواه وعززه وكرم مثواه، فلما حضر له الجمعة وسمع الدعاء لأبي جعفر المنصور أنكره، وقال: إن من الحكم جهلا، وأي هوادة بيننا وبين هؤلاء عدوا علينا فلم يرقبوا إلا ولا ذمة، واستحلوا منا كلّ حرمة، وأخرجونا من أرض الله الواسعة فألجأوا فلّنا إلى هذه القاصية الشاسعة، ثم ها نحن الآن نسايرهم فيها ونمد لهم خيط باطلهم بالدعاء لهم، أعطي الله عهدا، لئن لم تحول الدعوة لهم إلى البراءة منهم، لأنقلبن على وجهي مبادرا في هذه الأرض العريضة، وقد كان من هوى عبد الرحمن الداخل، إلا أنه آثر الأناة إلى أن استضاء برأي ابن عمه، فترك الخطبة لأبي جعفر وتفرد بالدعاء لنفسه، وذلك بعد سنة من دخوله الأندلس.
ثم شرع في تعظيم قرطبة «١» ، فجدد مغانيها وشيد مبانيها، وحصّنها بالسور حتى أشرف بناؤه، وابتنى بها قصر الإمارة والمسجد الجامع، وكان سلف المسلمين قد اقتصروا عند افتتاحهم لقرطبة، حتى اتخاذهم مسجدهم الجامع، فيما خصهم من سطر الكنيسة العظمى بها المعروفة بشنت، بحيث كما كان بدمشق، ودام الأمر على هذا تهالك الولاة بالأندلس على الإمارة، وهويهم في ضلال الشحناء إلى أن جمع شتاتهم عبد الرحمن الداخل، وسمت نفسه إلى ما تسمو إليه أنفس الخلفاء، فصالح النصارى على شطرهم بمواضع مما كان أخذ