بالعنوة من كنائسهم، وذلك سنة تسع وستين ومائة، ثم لما وسع قناءه، ووسع بناءه، تخطى بنظره إلى مساجد الكور بالأندلس، ثم ابتنى منية الرصافة «١» متنزها له، تشبها [ص ٣٠٩] بجده هشام، واتخذها قصرا حسنا، ودحا بها جنانا واسعة، نقل إليها غرائب الغراس وأكارم الشجر، من كل ناحية مما أتت به رسله من الشام، فمثلت أشجارا معتمة أثمرت بغرائب الفواكه، وعجائب الثمرات، ورأى أول ما نزل هذه الرصافة نخلة فذة ذكرته باغترابها غربته، وبنأيها عن أشباهها أحبته، فقال:«٢»
[الطويل]
تبدّت لنا وسط الرصافة نخلة ... تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل
فقلت شبيهي في التغرب والنّوى ... وطول انثنائي عن بنيّ وعن أهلي
نشأت بأرض أنت فيها غريبة ... فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي
سقتك غوادي المزن من صوبها الذي ... يسحّ ويستمري السماكين بالوبل
وحكى صاحب المقتبس ما معناه: أن عبد الرحمن الداخل في سنة ثلاث وستين ومائة، أشاع الرحيل إلى الشام لانتزاعها من يد الدولة العباسية وإدراك ثأره، وذكر أن كتب جماعة ممن بها من أهل بيته ومواليه وشيعته، توالت عليه بضعف المسوّدة، وفتور فورتهم، ونقل ذلتهم على الناس، فعمل على أن يستخلف ابنه سليمان الأندلس في طائفة، ويذهب بعامة من أطاعه وكمل من ضروب المماليك أربعين ألفا، فاخترم دون ذلك.