مرامه، لا يستلان له جانب، ولا يستهان به إلا دهيا أو مقانب بصوارم فللت الصفوف «١» ، ومكارم قللت الألوف، فكلما أتاه جمع عدو ولا مال إلا فرّقه، ولا قاواه جلد وطيش، ولا لبس إلا مزّقه، وسعد جده المقبل، وصعد رفده على الغمام المسبل، ولم يبق له معاند إلا احترق بناره، أوصادف جدوله فغرق في تياره، في عدة نوب عدمت البصيرة فيها حذارها ثم قدمت السهام إليها ارتدادها، ثم أقدمت السيوف وأبلت فيها عذارها، وخفقت فيها أعلامها الأموية بريحها التأييد، ويصبحها النصر مستطيرا من برق الحديد، في حروب منها ما باشره، ومنها ما قعد عنه، وعقد له لواء لم يكن سواه ناشره، فما عادت عساكره إلا وقد شفّت مناه، وكفت همة ما عناه، حتى أودع بطون الثرى أعداه، وودع القيام، فما استسقى لمنابت الرماح أنداه، وصفا له الأندلس من شوائب الأعداء، ونوائب الإعداد للأعداء، واستقر سريره لا يقلقل له إلا في دور ملكه مضجع، ولا يقلّب له إلا بين جواريه ذهاب أو مرجع، واستوفد إكرامه طوائف العلماء، واستبيح كرمه قرائح الشعراء، فغصّت أبوابه بالوفود، وقصّت أجنحة زواره، وما قصها سوى الجود، وكان أول أموي باح في الأندلس بمكنون سره، ومضمون ما كان يلجلج في فكره، ولم يخش دولة بني العباس أن ترمي إليه مدنها، أو ترسي عليه سفنها، وما راعه سواد ذلك العلم، ولا أقلقه تبكي ذلك الألم، ولا خاف أن تصيبه من العراق سهم أصاب وراميه بذي سلم «٢» كل هذا مع بصيرة بالعواقب، كأنما ناجته بما يكون وسريرة لا تراقب، إلا ما لم يألف من السكون، لكن الأقدار