للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكم أشبه في حكمته بالمأمون، وفي حرمته هارون، وتطلّب الكتب القديمة، وتطبّب بها من عدوى الأفهام السقيمة، وطالع كتب الأوائل، وطالب بإقامة الدلائل، وبعث إلى العراق في طلب الكتب الحكمية، وغالى في أثمانها، ووالى في ذخائر البيوت استخرج جمانها رغبة في إقامة براهينها وإدامة الوقوف على قوانينها، حتى نأى بها إلى الأندلس عن أوطانها، ورأى بالعقل أنه لا ينفذ إلا بسلطانها، فغلب بحججها القاطعة وبلغ الغاية بأنوارها الساطعة.

وكان هو أول من أدخل الحكمة، ويثها في أقطارها، ومد إليها بعثها حتى جاس خلال ديارها، فأعاد عصر الأوائل جديدا، وعصر الفضائل زاد ضحى قريبا بعيدا، بل زاد حتى سطا بأرسطاطاليس، وفلّ أفلاطون بجيش لا يفله الخميس، فما جاء معه أبقراط بقيراط، وبطل بطليموس فيما أحاط به علما ومالا أحاط، فذكت قريحته، وزكت صبيحته، وكان أبوه الحكم لما سمع كلامه في هذه الدقائق، وعرف مرامه في معرفة هذه الحقائق، يتضاعف به سروره، ويتماثل لديه أموره، ولهذا انتعش لديه حظه من خاطره، وجاد أفقه صوب ماطره، فكان

<<  <  ج: ص:  >  >>