لا يبرح يحبوه من الشكر بعاطره، ويجلوه في حلل اغنته عنها فطره، هذا مع استقلال بجنوده، صاب نوؤه وأصاب سدد الظلام ضوؤه.
قال الرازي: عبد الرحمن بن الحكم، أول من فخّم الملك بالأندلس من خلفاء بني مروان، وكساه أبهة الجلالة للأعمال، واستوزر الأكفاء، فعظم شأنه، وكاتبته ملوك البلاد، ثم شيّد القصور، واتخذ المصانع وجلب الماء.
وحكى معاوية بن هشام: أنه كان يتشبه بالوليد بن عبد الملك في شرف نفسه، وعلاء همّته، وفخامة سلطانه، ودعة أيامه، وما شاد من البناء، وشق من الأنهار، وغرس من الأشجار، وزاد في المسجد الجامع، وفيه قال عبد الله بن الشمر:
[الطويل]
بنى مسجدا لم يبن في الأرض مثله ... وهل مثله في حوزة الأرض مسجد [ص ٣١٧]
له عمد حمر وخضر كأنّما ... تلوح يواقيت بها وزبرجد
قال الرازي: وفي أيامه أحدث بقرطبة وغيرها من بلاد الأندلس الطرز لأنواع الكسوة والوطاء، واستنبطت فيها الأعمال، وتدرج فيها إلى التجويد في ذلك، وقال الرازي: وفيها اتخذت بقرطبة السكة، وقام فيها ضرب الدراهم، ولم يكن فيها دار ضرب منذ فتحها العرب، وإنما كانوا يتعاملون بما يحمل إليهم من دراهم أهل المشرق.
قلت: وهذا أوان صارت الأندلس مصرا، وصارت تعد بستانا، وقصرا بعد أن مضت برهة من الدهر لا يوصف إلا بأنه يصفق في جنباتها النهر. وكان عبد الرحمن أشم أقنى أسود العينين طوالا ضخما مسبلا عظيم اللحية.