العساكر بسرمين «١» إقطاع مهنّا، فأكلت زروعها وآذت أهلها فشكوا إلى مهنّا أذية العساكر، فشكا إلى الأشرف فعزّ عليه واستنقص همته، وقال: كم جهد ما آذوا حتى تواجهني بالشكوى، وما كان يغتفر هذا الفعل لهذا الجيش العظيم الخارج لأجل إذلال العدوّ وقصّ جناح الكفر، وأسمعه من هذا ومثله.
ثم لما كان الفتح ركب الأشرف في الفرات في خواصّه ومعه جلساؤه من بني مهديّ، وكانوا يضحكونه، فجاء مهنّا بن عيسى فأمر بمدّ الإسقالة ليدخل فلما دخل عليها غمز عليه فحركت الإسقالة فوقع في الماء وتلوث بالطين فهزئت به بنو مهديّ وضحك الأشرف ومن حوله، وطوى مهنّا جوانحه على ألمها، ثم إنه استأذن في الانصراف إلى بيوته فأذن له وقال إلى لعنة الله، فأسرّها مهنّا في نفسه ولم يبدها، وركب من وقته، وتوجّه إلى أهله، وأقام عندهم على حذر ثم (٣١) عاد الأشرف ونزل بحماة بعث إليه مهنّا بخيل وجمال فقبلها وخلع على رسوله وبعث له خلعة سنيّة ليطمئنه ثم يكبسه، فلما جاءت لبسها إظهارا للطاعة، وارتحل لوقته ضاربا في وجه البرّ فلم يتمّ للأشرف ما أراده منه، وعاد إلى مصر وفي نفسه من إمساك مهنّا وإخوته وبنيه، وظنّ مهنّا أن لا حقد عنده، فلم يلبث الأشرف أن خرج إلى الكرك وخرج إلى دمشق، وخرج منها على أنه يصيد كباش الجبل، ثم إن مهنّا عمل له ضيافة عظيمة فحضرها الأشرف وأكل منها، ولما فرغ ذلك أمسك مهنّا ومعه جماعة وجهزهم إلى مصر وحبسهم ببرج في القلعة وضيق عليهم إلا في الراتب لهم، وكان مهنّا في الحبس لا يأكل إلا بعد مدّة، وإذا أكل ما يقيم رمقه ويصلي الصبح، ويدير وجهه إلى الحائط ويصمت ولا يكلم أحدا حتى تطلع الشمس، ثم يقوم بعجلة وسرعة ويأخذ كفا من حصى وتراب كان هناك ثم يزمجر ويرمي به إلى الحائط كالأسد الصائل، فلما خرج الأشرف إلى الصّيد ترك ذلك الفعل، فقيل له في ذلك، فقال: قضي الأمر، ولم ير