قال، وحدثني مظفر الدين موسى ولد مهنّا، قال: لما كنا بالاعتقال كان عمي محمد بن عيسى مغرى بدخول المرتفق والتطويل فيه، وكان المرتفق مقاربا لدور حريم السّلطان ولبعض الأمراء، فقلت له في ذلك، [فقال:]«١» يا ولد مهنّا لعلي أسمع خبرا من النسوان فإنهنّ يتحدثن بما لا يتحدث به الرجال، فبينا نحن ذات يوم، وإذا بمحمد قد خرج، وقال:
بشراكم قد سمعت صائحة النساء تقول: وا سلطاناه!، فقلنا له: دعنا مما تقول، فقال: ما أقول لكم حقّ، وكان لنا صاحب من العرب تنكر وأقام بمصر، وكان يقف قبالة مرمى البرج الذي نحن فيه، ويومئ إلينا ونومئ إليه غير أنّه (٣٢) لا يسمعنا ولا نسمعه، فلما كان في تلك الساعة ومحمد يحدثنا، وإذا بصاحبنا قد جاء وأومأ ثم مدّ يده الى التراب وصنع فيه هيئة قبر ونصب عليه عودا عليه خرقة صفراء كأنّها سنجق السلطان ثم نكسها، وقعد كأنه يبكي، ثم وقف قائما ورقص فتأكد الخبر عندنا بموت الأشرف، فلما فتح علينا من الغد سألنا الفتاح والسجّانين فأنكرونا ثم اعترف لنا بعضهم وكان ذلك أعظم سرور دخل على قلوبنا.
ولما خرجوا من السجن شكوا احتياجهم إلى النساء فأطلق لهم جماعة من الجواري الأشرفيات ولم يكن مرادهم بذلك إلا التشفّي، وأعيد الجماعة الى أهلهم إلا مهنّا فإنه أخّر مدة ثم جهّز فلما خرج من دمشق لحقه البريد إلى ثنيّة العقاب «٢» بأن يعود فامتنع وقد توجّه إلى أهله وكانوا قد ندموا على إطلاقه، ثم إنّه قدم مصر بعد ذلك مرات وهو كالطائر الحذر الذي نصب له الشّرك بكلّ مكان، وآخر مدة قدمها في أوائل الدولة الناصريّة