ومدد البحر ما يريد المريد منهم وما يشاء، تطلّ منهم على بيوت قد بنيت بأعلا الرّبى، وبلغت السحاب وعقدت عليها الحبى «١» قد اتّخذت من الشّعر الأسود وبطّنت (٣٦) بالدّيباج والحرير والوشي المرقوم، وفرشت بالمفارش الرومية، والقطائف الكرجيّة، ونضّدت بها الوسائد، وقامت حولها الولائد، وشدّت بوتد السماء أطنابها، وأعدت لطوالع النجوم قبابها، وأرخيت سجفها وشرعت أبوابها إلى الهواء، واستصرخت واستغيث بها لدفع اللّأواء ورفعت عمدها، ووضعت حجلاتها وقرّر في الأرض وتدها، وطلعت البدور في أكلّتها، ورتعت الظّباء في مشارق أهلّتها، وحولهم خيول تحمي حجبها وترمي إزاء البيوت سحبها، وتعرف بين العرب الأتراب عربها، وتعرض في الشهب الحسان نخبها من كرائم الخيل المخبورة، وعظائم السيل معنى وصورة، قد تمايلت ألوانا، وتقابلت في مناسب الخيل إخوانا، وتنوّعت شياتها فبرزت بستانا، وتسرّعت أعوجيّاتها السوابق، فقصر مدى لاحق، وتقدمت قدّامه ميدانا.
وتفرّعت من أصول العرب في ربيعة ومضر، وتبرّعت بما لا يلزمها، فمنها ما انتظر ما خلفه، ومنها ما فات النظر، وتقدمت وأمهلت وراءها الرياح، وأقدمت وأنهلت ظمأها مورد الصباح، ومرّ كلّ طرف منها وطرف البرق حائر، ومد [وجوار]«٢» المجرّة ما فيها طريق لسائر، وحفّت والطير في وكناتها لم تبرح، ووفّت والوحوش في مكان بياتها لم تسرح، تمّت كأنّها كثبان، وهمّت كأنها عقبان، قد صلدت حوافرها كأنها قعب حالب، وصلدت مشاعرها كأنها وجه عاتب، واتّسع منخرها كأنّه وجار ثعالب، وارتفع مؤخّرها كأنه ربوة مراقب، وطال غرتها كأنّه انتظار غائب، ومالت نواصيها كأنها عقود ترائب ودقّ منخرها