الغباوة وقلة الفهم، بحسب تفاوتهم في المواضع منها، بالقرب والبعد حتى كأن منازلهم من الطريق هي منازلهم من العلم محاماة ومقايسة. قال: فقلت: إن نقص أهل الأندلس عن مقادير من رأيت في أفهامهم، بقدر نقصان هؤلاء عمن قبلهم، فسأحتاج إلى ترجمان بهذه الأوطان، ثم قال ابن بسام عنه وبلغني أنه كان يصله كلامه هذا بالتعجب من أهل هذا الأفق في ذكائهم ويتغطّى عنهم عند المباحثة والمقايسة، ويقول لهم: إن علمي لعلم رواية وليس بعلم دراية، فخذوا عني ما نقلت، فلم آل لكم أن صححت «١» . قلت: فهذه شهادة لا ترد من أبي عليّ على أهل المغرب إلا الأندلس، وإقرار ابن بسام له على قوله شهادة عنه، وهذا أيضا على كثير المغرب أهل المشرق، فأما أهل جزيرة الأندلس يلغى بها ما قاله ابن بسام عن فضلاء أهلها آنفا: أنه لو نعق بالمشرق غراب أو طن ذباب لحنوا عليه ضما وتلوه كتابا محكما، وأما ما زعم من أنّ أبا علي البغدادي كان يتغطى عنهم عند المباحثة والمناقشة، ويقول إن علمي لعلم رواية، وليس بعلم دراية. فهذا إن صحّ وسلم إليه، عنه جوابان:
الأول: أن أبا علي كما قال صاحب علم رواية، ليس عنده إلا ذلك، وقد يكون بلي برجل جدل، أو رجال كذلك فقصرت حجته عندهم بحق وبمعاناة، فقال ذلك، ولا يخلو قطر من ذي جدل فيه. فأما لو رموا بمثل ابن سينا وأضرابه، والفارابي وأشياعه لذابت حضارتهم فهامت خفافيشهم.
والجواب الثاني: أنهم قد ألجؤوه في وقت إلى تأويل باطل لم يمنعهم منه إلا التسليم إليهم، فمن لم يستجز ذلك فقطعهم بذلك القول عن الحيلة إلى الباطل.