قلت: فانظر إلى ابن سعيد مع فرط تعصّبه للمغرب وأهله ما قدرأن يدعي أنّ من المغرب أشرف البقاع، ومدن الجنة، فلما ذكر الأنهار الأربعة قال: وليس منها في المغرب إلّا واحد، وهو النيل، فما تجاوز مصر في الدعوى على كثرة ما نظر في لوح الرسم المصوّر، وطالع الكتب الموضوعة عليه، والمقالات المتفرعة فيه، ولكنه ما (تحلى بما ليس له كلابس ثوبي زور)«١» ، ولا ادعى دعوى يفضحه فيها الحق، وهذا منه غاية الإنصاف والإذعان للحق وأهله، ولو وجد في الحق سبيلا بحق إلى سوى هذا لقاله، فإذا لم يدع هذا للغرب مغربي لا يدعيه له مشرقي.
ثم قال ابن سعيد- نقلا عن البيهقي-: إن حد المغرب من الجهة التي ذكرها بطليموس في أنّ الله تعالى قسم الأرض نصفين ببحر جدّة وخليج القسطنطينية، على أن يجعل الديار المصرية أول الغرب، وكل هذا يؤيد بعضه بعضا في إثبات الفخار للمشرق لاشتماله «٢» على أشرف البقاع، ومدن الجنة وأجل الأقاليم العرفية كالشام والعراقين وأذربيجان وخراسان إلى نهاية المشرق.
وكلام ابن سعيد كله لمن تأمله إثبات لفضل المشرق وأهله على الغرب وأهله، وهو الحق الذي لا يمترى فيه، وقد قال الرئيس أبو علي بن سينا «٣» المدن المشرقية صحيحة «٤» جيدة الهواء، تطلع على ساكنها الشمس في أول النهار،