للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ كَانَ بَاعَهُ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ بِقَطْعِ يَدِهِ، قُلْنَا: هُوَ فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ، وَقَطْعُ الْيَدِ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ فِي شَيْءٍ، فَكَانَ هُوَ فِيهَا كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَبَّلَهُ، أَوْ اسْتَخْدَمَهُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ - فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُضَمِّنَ الْوَكِيلَ الْقِيمَةَ، وَيُعْطِيَهُ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَيْسَ مِمَّا تَضَمَّنَتْهُ الْوَكَالَةُ، وَهُوَ مِنْ حُقُوقِ عَقْدِ الْوَكِيلِ، فَيَكُونُ الْوَكِيلُ فِيهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ.

وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ هَذَا، وَوَكَّلَ آخَرَ بِهِ أَيْضًا - فَأَيُّهُمَا بَاعَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ، حِينَ وَكَّلَهُ بِبَيْعِهِ وَحْدَهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّيْنِ إذَا أَوْصَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي عَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ حَيْثُ لَا يَنْفَرِدُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ صَارَا وَصِيَّيْنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَهُنَا حُكْمُ الْوَكَالَةِ يَثْبُتُ بِنَفْسِ التَّوْكِيلِ، فَإِذَا أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ اسْتَبَدَّ؛ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ، فَإِنْ بَاعَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَجُلٍ، فَإِنْ عُلِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا؛ كَانَ.

الْعَبْدُ لَهُ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا حَصَلَ فِي حَالِ قِيَامِ الْوَكَالَةِ، فَنَفَذَ وَصَارَ بَيْعُهُ كَبَيْعِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ، فَانْعَزَلَ بِهِ الْوَكِيلُ الثَّانِي، وَإِنَّمَا بَاعَهُ بَعْدَمَا انْعَزَلَ، فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا؛ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ؛ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَيْنِ قَدْ اسْتَوَيَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْعَبْدِ لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي السَّبَبِ، فَكَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَيُجْبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، حَيْثُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ إلَّا نِصْفُ الْعَبْدِ، وَقَدْ اشْتَرَاهُ كُلَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ أَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ، أَوْ فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ، أَوْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ - فَهُوَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ فِيهِ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ، فَلَا يَظْهَرُ اعْتِبَارُ تَرْجِيحٍ لِأَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ؛ فَهُوَ لَهُ؛ لِتَرْجِيحِ جَانِبِهِ بِتَأَكُّدِ شِرَائِهِ، وَتَمَكُّنُهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلِيلُ سَبْقِ شِرَائِهِ؛ وَلِأَنَّ بِالْآخَرِ حَاجَةً إلَى اسْتِحْقَاقِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَبِشِرَائِهِ مِنْ الْوَكِيلِ الْآخَرِ، لَا يَظْهَرُ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِسَبْقِ عَقْدِهِ، فَإِنْ أَوْهَمَ لَبْسُهُ عَلَى ذَلِكَ أَخَذَهُ، وَإِلَّا فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ.

وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ، فَبَاعَهُ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ - فَهُوَ جَائِزٌ وَلِلْآمِرِ حِصَّةُ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ مَقْصُودُ الْآمِرِ، إذْ لَا فَرْقَ فِي حَقِّهِ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ وَحْدَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ مَضْمُومًا إلَيْهِ عَبْدٌ آخَرُ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ بَيْعُهُ، سَوَاءٌ قَلَّتْ حِصَّةُ عَبْدِ الْمُوَكِّلِ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى أَوْ كَثُرَتْ، وَعِنْدَهُمَا إنَّمَا يَجُوزُ؛ إذَا كَانَ بِحِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرَ قِيمَتِهِ، أَوْ أَقَلَّ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَهُ وَحْدَهُ، وَلَوْ كَانَ قَالَ لَهُ بِعْ عَبْدِي هَذَا بِخَمْسِمِائَةٍ، فَبَاعَهُ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي عَبْدِ الْمُوَكِّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>