. وآياتهم انقطعت بموتهم، وعرفها من بعدهم بأخبار سلفهم، وجعل من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلّم القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأشرك فيه الخلف والسلف، وجعله باقيا على مرور الأيام وبعد الأحوال.
وقال أبو عثمان لغائب عليه كتب عيب الكتاب: ونعم الذخر والعقدة، ونعم النشرة والنزهة، ونعم المشتغل والحرفة، ونعم الأنيس ساعة الوحدة والمعرفة ببلاد الغربة، ونعم القرين والدخيل والوزير والتنزيل. والكتاب وعاء ملئ علما وظرف حشي ظرفا، وإناء سخّن مزاجا وجدّا؛ إن شئت كان أبين من سحبان وائل، وإن شئت كان أعيا من باقل، وإن شئت ضحكت من نوادره، وعجبت من غرائب فوائده. وإن شئت سختك مواعظه. ومن لك بواعظ مله، وببارد حار؟ ومن لك بطبيب أعرابي، وبرومي وهندي وبفارسي يوناني، وتقديم مولد ممتّع وبشيء يجمع لك الأول والآخر، والناقص والوافر، والشاهد والغائب والحسن وضدّه؟ وبعد، فمتى رأيت بستانا يحمل في ردن، وروضة في قلب؟ ينطق عن الموتى ويترجم كلام الأحياء. ومن لك بمؤنس لا ينام إلا بنومك، ولا ينطق إلّا بما تهوى؟ آمن من أرض وأكتم للسر من صاحب السرّ، واضبط بحفظ الوديعة من أرباب الوديعة، وأحفظ لما استحفظ من الأميّين، ومن الأعراب للمعربين؛ بل من الصبيان قبل اعتراض الاشتغال حين العناية تامة لم تنتقص، والأذهان فارغة لم تقتسم، والإرادات وافرة لم تتشعب، والطينة ليّنة؛ فهي أقبل ما يكون للطابع، والقضيب رطب فهو أقرب ما يكون من العلوق، حين هذه الخصائل لم يلبس جديدها، ولم تتفرق قواها كانت كقول الشاعر:[الطويل]
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلبا خاليا فتمكّنا
وقال ذو الرمة لعيسى بن عمر: اكتب شعري، فالكتاب أعجب إليّ من الحفظ؛ لأن الأعرابي ينسى الكلمة، قد تعب في طلبها يوما أو ليلة فيضع موضعها كلمة في وزنها لم ينشدها الناس، والكتاب لا ينسى، ولا يبدّل كلاما بكلام وعيب الكتاب. ولا أعلم جارا