أبرّ، ولا خليطا أنصف، ولا رفيقا أطوع، أقل صلفا وتكلفا، ولا أكفّ عن قتال وشغب ومراء من كتاب. ولا أعلم شجرة أطول عمرا ولا أجمع أمرا، ولا أطيب ثمرة ولا أقرب مجتنى، ولا أسرع إدراكا، ولا أوجد في كل أوان من كتاب. ولا أعلم نتاجا في حداثة سنّه وقرب ميلاده، وحضور ذهنه، وإمكان موجوده. يجمع من التدابير العجيبة والعلوم العربية، ومن آثار العقول الصحيحة، ومحمود الأذهان اللطيفة، ومن الأخبار عن القرون الماضية والبلاد المترامية، والأمثال السائرة، والأمم البادية مما يجمع الكتاب. والكتاب مع خفّة نقله وصغر حجمه صامت ما أسكتّه، وينبغ ما استنطقته، ومن لك بمسامر لا يبتديك في حال شغلك، ولا يدعك في أوقات نشاطك، ولا يحوجك إلى التجمل له، والتذمم فيه. ومن لك بزائر، إن شئت جعلت زيارته غبّا، وورده خمسا. وإن شئت لزمك لزوم ظلك، وكان منك مكان بعضك. والكتاب هو الجليس الذي لا يضرّ بك، والصديق الذي لا يغذيك، والرفيق الذي لا يملّك، والمستميح الذي لا يستزيدك، والجار الذي لا يستبطيك والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق، ولا يعاملك بالمكر والخديعة، ولا يخدعك بالنفاق والكذب.
والكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك وشحذ طباعك، وبسط لسانك وجوّد بيانك، وفخّم ألفاظك ونجّح نفسك وعمّر صدرك ومنحك تعظيم العوام وصداقة الملوك.
وعرفت به في شهر مالا تعرفه في دهر من أفواه الرجال مع السلامة من الغرم، ومن كدّ الطلب ومن الوقوف بباب المكتسب بالتعليم. وبالجلوس بين يدي من أنت أفضل منه خلقا، وأكرم منه عرقا، ومع السلامة من مجالسة البغضاء ومقارنة الأغبياء. وهو الذي يطيعك بالليل طاعته لك بالنهار، وفي السفر طاعته لك في الحضر. ولا يعتلّ بنوم ولا يغترّ به كلال الشهر. وهو المعلم الذي إن افتقرت إليه لم يحقرك، وإن قطعت عنه عدوك لم ينقلب عليك. ومتى كنت متعلقا به بسبب، ومعتصما منه بأدنى حبل لم يضطرك معه وحشة الوحدة إلى جليس السوء، لو لم يكن من فضله عليك وإحسانه إلا منعه لك من الجلوس على بابك، والنظر إلى المارّة منعما في ذلك من التعرض للحقوق التي تلزم، ومن فضول