النظر، ومن عادة الخوض، ومن ملابسة صغار الناس وحضور ألفاظهم الرديّه الساقطة ومعانيهم الفاسدة، وأخلاقهم السيئة وجهالتهم المذمومة لكان في ذلك السلامة. ولو لم يكن في ذلك إلّا أنه يشغلك عن سخف البيت وعن اعتياد الراحة لقد كان في ذلك على صاحبه أسبغ النعمة وأعظم المنّة.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: قال المهلب لبنيه في وصيته: يا بنيّ لا تقوموا في الأسواق إلا على زاد أو وراق. وقال شيخ: قرئ عليك ما أثر غطفان ذهبت بالمكارم إلّا من الكتب.
وقال غيره: غبرت أربعين سنة ما قلت ولا بتّ ولا اتّكأت إلا والكتاب موضوع على صدري.
وقال ابن الجهم: إذا استحسنت الكتاب، ورجوت منه الفائدة، فلو تراني وأنا ساعة بعد ساعة أنظر كم بقي من ورقة مخافة استفادة وانقطاع المادّة وإن كان الدفتر عظيم الحجيم، وكان الورق كثير العدد. والإنسان لا يعلم حتى يكثر سماعه، ولا بدّ أن تصير كتبه أكثر من سماعه، ولا يجمع حتى يكون الاتفاق عليه ممّا لعدّته. ومن لم يكن نفقته التي تخرج من الكتب ألذّ عنه من إنفاق عساق «١» والمستهزءين بالبنيان لم يبلغ في العلم مبلغا.
وقال إبراهيم بن السندي: وددت أن الزنادقة لم يكونوا حرصا على المعالي بالورق النقي الأبيض، وتخيّر الحبر الأسود والخطّ الجيّد فإنني لم أركورق كتبهم ورقا، ولا لخطوطهم خطّا. وإني غرمت مالا عظيما مع حبّي للمال ونغصي للعزم لأن سخاء النفس بالإنفاق على الكتب دليل على شرف النفس، وعلى السلامة من شكر الآفات.
وقال أبو عمرو بن العلاء: ما دخلت على رجل قطّ، ولا مررت ببابه فرأيته ينظر في دفتر وجليسه فارغ إلا اعتقدت أنه أفضل منه وأعقل.