معدودة، ومحصلة محدودة. وجميع أصناف الدلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ خمسة أشياء، ولا تنقص ولا تزيد. وأولها اللفظ ثم الإشاره ثم العقد ثم الخط ثم النصبة، الحال التي تسمى نصبة. والنصبة هي الحال الدالّة التي تقوم مقام تلك الأصناف، ولا ينقص عن تلك الدلالات. ولكل واحدة من هذه الخمسة صورة بائنة عن صورة صاحبتها، وحلية مخالفة لحلية أختها. وهي التي تكشف عن أعيان المعاني، ثم عن حقائقها في التفسير وأجناسها وأقدارها، وخاصها وعامّها، وطبقاتها في السارّ والضارّ. والبيان نصر والعيّ عمى، كما أن العلم بصر والجهل عمى. والبيان من نتاج العلم، والعيّ من نتاج الجهل.
وقال يونس بن حبيب: ليس لعيّ مروءة، ولا لمنقوص البيان بها. ولو حلّ بنا فوجّه أعنان السماء.
قال: وأما الإشارة باليد وبالرأس وبالعين وبالحاجب وبالمنكب وبالثوب وبالسيف. وقد يتهدّد رافع السوط والسيف، فيكون ذلك زاجرا رادعا، ويكون وعيدا أو تحذيرا. والإشارة واللفظ شريكان، ونعم العون هو له ونعم الترجمان. وما تعذر الإشارة أن تكون ذات حلية موصوفة، وصورة معروفة. وفي الإشارة بالطرف والحاجب وغيرهما من الجوارح موفق كبير، ومعونة حاضرة في أمور يسترها بعض الناس من بعض، ويخفونها من الجليس وغير الجليس.
ولولا الإشارة لم يتناهم الناس ولجهلوا هذا الباب البتّة. وقد قال الشاعر:[الطويل]
أشارت بطرف العين خيفة أهلها ... إشارة مذعور ولم تتكلّم
فأيقنت أن الطّرف قد قال مرحبا ... وأهلا وسهلا بالحبيب المسلّم
هذا ومبلغ الإشارة أبعد من مبلغ الصوت، والصوت آلة اللفظ، وهو الجوهر الذي يقوم به التقطيع، وبه يوجد التأليف وحسن الإشارة باليد والرأس من تمام حسن البيان باللسان. وقد قال الشاعر:[الطويل]
إذا نحن خفنا الكاشحين فلم نطق ... كلاما تكلّمنا بأعيننا سرّا
فنقضي ولم يعلم بنا كلّ حاجة ... ولم تظهر الشكوى ولم نهتك السّترا