للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشيخ عبد القادر: طالبتني نفسي يوما بشهوة، فكنت أضاجرها، وأدخل في درب، وأخرج من آخر أطلب الصحراء، فرأيت رقعة ملقاة، فإذا فيها: ما للأقوياء والشهوات؟!، وإنما خلقت الشهوات للضعفاء. فخرجت الشهوة من قلبي.

قال: وكنت أقتات بخرّوب الشوك، وورق الخس، من جانب النهر «١» .

وحكى ابن النجار عن الشيخ عبد القادر قال:" بلغت بي الضائقة في الغلاء إلى أن بقيت أياما لا آكل طعاما، بل أتبع المنبوذات، فخرجت يوما إلى الشط، فوجدت قد سبقني الفقراء، فضعفت، وعجزت عن التماسك، فدخلت مسجدا، وقعدت، وكدت أصافح الموت، ودخل شاب أعجميّ ومعه خبز وشواء، فرآني، فقال: بسم الله، فأبيت، فأقسم علي، فأكلت مقصرا، وأخذ يسألني، ما شغلك؟ ومن أين أنت؟. فقلت: متفقّه من جيلان، قال: وأنا من جيلان، فهل تعرف لي شابا جيلانيا اسمه عبد القادر يعرف بسبط أبي عبد الله الزاهد؟.

فقلت: أنا هو!. فاضطرب لذلك، وتغير وجهه، وقال: والله يا أخي، لقد وصلت إلى بغداد ومعي بقية نفقة لي، فسألت عنك، فلم يرشدني أحد إلى أن نفدت نفقتي، وبقيت بعدها ثلاثة أيام لا أجد ثمن قوتي إلا من مالك، فلما كان هذا اليوم الرابع، قلت: قد تجاوزتني ثلاثة أيام، وحلّت لي الميتة، فأخذت من وديعتك ثمن هذا الخبز والشواء، فكل طيبا، فإنما هو لك، وأنا ضيفك الآن. فقلت: وما ذاك؟. قال: أمّك وجّهت معي ثمانية دنانير، والله ما خنتك فيها إلى اليوم، فسكّنته، وطيّبت نفسه، ودفعت إليه شيئا منها «٢» .

وحكي عنه أيضا أنه قال:" كنت في الصحراء أكرر في الفقه وأنا في فاقة، فقال لي

<<  <  ج: ص:  >  >>