للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قائل- لم أر شخصه-: اقترض ما تستعين به على طلب الفقه.

فقلت: كيف أقترض وأنا فقير ولا وفاء لي؟. قال: اقترض وعلينا الوفاء.

فأتيت بقالا، فقلت: تعاملني بشرط: إذا سهّل الله أعطيتك، وإن متّ تجعلني في حلّ؟. تعطيني كل يوم رغيفا ورشادا.

فبكى وقال: أنا بحكمك. فأخذت منه مدّة، فضاق صدري، فقيل لي: امض إلى موضع كذا، فأيّ شيء رأيت على الدكّة، فخذه، وادفعه إلى البقال. فلما جئت رأيت قطعة ذهب كبيرة، فأعطيتها البقلي «١» .

ولحقني الجنون مرة، وحملت إلى المارستان، فطرقتني الأحوال حتى حسبوا أني متّ، وجاؤوا بالكفن، وجعلوني على المغتسل، ثم سرّي عني، وقمت، ثم وقع في نفسي أن أخرج من بغداد لكثرة الفتن، فخرجت إلى باب الحلبة، فقال لي قائل: إلى أين تمشي؟!، ودفعني دفعة خررت منها، وقال: ارجع فإن للناس فيك منفعة. قلت: أريد سلامة ديني.

قال: لك ذاك، ولم أر شخصه.

ثم بعد ذلك طرقتني الأحوال، فكنت أتمنى من يكشفها لي، فاجتزت بالظّفريّة «٢» ، ففتح رجل داره، وقال: يا عبد القادر!، أيش طلبت البارحة؟. فنسيت، فسكتّ، فاغتاظ، ودفع الباب في وجهي دفعة عظيمة، فلما مشيت ذكرت فرجعت أطلب الباب، فلم أجده.

قال: وكان حمادا الدباس، ثم عرفته بعد، وكشف لي جميع ما كان يشكل علي، وكنت إذا غبت عنه لطلب العلم وجئت، يقول: أيش جاء بك إلينا؟ أنت فقيه، مرّ إلى الفقهاء، وأنا أسكت، فلما كان يوم جمعة، خرجت مع الجماعة في شدة البرد، فدفعني ألقاني في الماء، فقلت: غسل الجمعة، بسم الله، وكان عليّ جبّة صوف، وفي كمي أجزاء،

<<  <  ج: ص:  >  >>