للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله من سنة الغفلة-: أن المحاسبة في هذه الدار على قدر المحاسب، فمنهم معاقب، ومنهم مغالب، ومنهم معاتب، ومنهم محاسب. فمحاسبة الإحساس معاقبة، والأنفاس مغالبة، والأرواح معاتبة، والأسرار مخاطبة. فحاسب نفسك- يا أخي! - في مهل الأنفاس، قبل حلول الأرماس «١» ، ومثّلها كعامل خراج بين يديك من قبل أن ينعكس الأمر عليك، فكأني بك في ذلك اليوم تدعو فلا تسمع مجيبا إلا: كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً

. «٢»

ومنه قوله:" أما بعد- يا أخي! - عصمنا الله وإياك من نتائج الغفلات، وآمنا من روعة البيات، فإن الله- سبحانه- لما أوضح المنهج إليه، وبيّن الأمر المزلف لديه، حمل من اصطفاه من عباده عليه، وعدل بمن حرمه إلى أحد جانبيه، فهنيئا لمن حمل على الجادة، وبؤسا لعبد قطعت عنه العناية الربانية والمادة. ونحن- يا أخي! - من هذا كله على بصيرة، مع قبح سيرة وسريرة، فتدارك أخاك بدعوة ترقيه إلى موقف الاختصاص، وتلحقه بأهل الصدق والإخلاص، قبل أن يفجأه الموت، وينقلب بحسرة الفوت؛ فقد طال الأمل، وساء العمل، وترادف الكسل، ولم تعظنا بمرورها الأيام، ولا زجرتنا حوادث العلل والآلام، فأسأله سبحانه أن يطهّر الذوات بأحمد الصفات، والسلام".

ومنه قوله:" أما بعد- يا أخي! - فالقدر سابق، والقضاء لاحق، ولا يغرّنّك ما أنت عليه من سنيّ الأعمال، وزكيّ الأحوال، ما دام رسنك «٣» مرخى، وحبلك على غاربك «٤» ملقى، فإن الخاتمة أمامك، ولا تدري بما يرسل الحق إليك أيامك، فخذ الكرامة على أدب، وأعرض عن الاشتغال بها وجدّ في الطلب، فكم مريد كانت حظ عمله لما كانت غاية أمله، ومن الله نسأل عصمة الأحوال، في السابقة والمآل، والسلام".

<<  <  ج: ص:  >  >>