فجلس قليلا ثم نهض فتوجه نحو دار موسى بن طلحة، فتبعته، فلما طعن في الدار، التفت إليّ فقال: ادخل فاذا حجلة «١» ، وإنها لأول حجلة رأيتها لأمير، فقمت ودخلت الحجلة، فسمعت حركة، فكرهت الجلوس، ولم يأمرني بالانصراف، فاذا جاريته قد خرجت، فقالت: يا شعبي، إن الأمير يأمرك أن تجلس، فجلست على وسادة، ورفع سجف «٢» الحجلة، فإذا أنا بمصعب بن الزبير، ورفع السجف الآخر، فإذا أنا بعائشة بنت طلحة، فلم أر زوجا قط كان أحسن منهما: مصعب وعائشة، فقال مصعب: يا شعبي، هل تعرف هذه؟
قلت: نعم [ص ١٧] أصلح الله الأمير، قال: ومن هي؟ قلت: سيدة نساء المسلمين عائشة بنت طلحة، قال: ولكن هذه ليلى [التي] يقول فيها الشاعر:
وما زلت في ليلى لدن طرّ شاربي
ثم قال: قم إذا شئت، فقمت، فلما كان العشيّ رحت، فإذا هو جالس في المسجد على سرير، فسلمت عليه، فلما رآني قال: ادن مني، فدنوت حتى وضعت يدي على مرافقه، فأصغى إلي وقال: رأيت مثل ذلك الإنسان قط؟
قلت: لا والله، قال: أفتدري لم أدخلناك؟ قلت: لا، قال: لتحدّث بما رأيت، ثم التفت إلى عبد الله بن فروة، فقال: اعطه عشرة آلاف درهم وثلاثين ثوبا، وانصرف، وما انصرف أحد بمثل ما انصرفت بعشرة آلاف درهم، وبمثل كارة القصار ثيابا «٣» ، وبنظرة من عائشة بنت طلحة. قال: وكانت عائشة بنت طلحة عند عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان أبا عذرتها، «٤» ثم هلك، وتزوجها مصعب