ينتظرون فراغه، فصلّى ملّيا، ثم التفت فقال لي: أحسبك غريبا، فقلت: أجل، فقال:
متى كنت في هذه المدينة، فقلت: آنفا، وليس لي بها منزل ولا معرفة، وليست صناعتي من الصنائع المذكورة لأهل الخير، قال: وما صناعتك؟ قلت: الغناء، فوثب مبادرا، فدخل ووكل بي بعض من معه، فسألت الموكّل بي فقال: هذا سلام الأبرش «١» ، قال: فانتهى إلى قصر من قصور الخليفة وجاوز بي من مقصورة إلى مقصورة، حتى أدخلني إلى مقصورة في آخر الدهليز، ودعا بطعام، فأتيت بمائدة عليها طعام من طعام الملوك، فأكلت حتى امتلأت، فإني كذلك إذ سمعت ركضا من الدهليز وقائلا يقول: أين الرجل؟ قال: ها هو ذا، قال: ادعوا له بغسول وخلعة وطيب، ففعل بذلك بي، وحملت على دابة إلى دار الخليفة، فعرفتها بالتكبير والحرس والنيران، فجاوزت مقاصير «٢» عدة، حتى صرت إلى دار قوراء «٣» فيها أسرة في وسطها قد أضيف بعضها إلى بعض، قال: فأمرني الرجل بالصعود، فصعدت، وإذا رجل جالس عن يمينه ثلاث جوار في حجورهن العيدان، وفي حجر الرجل عود، فرحّب الرجل بي، وإذا مجالس خالية، كان فيها قوم قد قاموا عنها، فلم ألبث أن خرج خادم من وراء الستر، فقال للرجل: تغنّ، فانبعث يغنّي بصوت فيه لي وهو:«٤»[البسيط]
لم تمش ميلا ولم تركب على قتب ... ولم تر الشّمس إلا دونها الكلل
تمشي الهوينى كأنّ الشمس توحشها ... مشي اليعافير في جيآته الوهل «٥»