يشغلك عنه شيء إلا الخليفة، ثم تجيئه معك قطرميز نبيذ ترفعا عن شرابه، كما ترفعت عن طعامه ومجالسته؟ وترى أنك تجيئه كما تشتهي حتى تبسطكما الأكفاء، ثم تعمد إلى صوت وقد اشتهاه واقترحه وسمعه جميع من حضر، فما عابه أحد فعبته، ليتم تنغيصك إياه لذته، والله لو أن الفضل بن يحيى وأخاه جعفرا، لا والله، بل بعض أتباعهم دعاك إلى مثل ما دعاك إليه الأمير، لبادرت وباكرت وما تأخرت ولا اعتذرت، قال: وأمسك الفضل [عن الجواب] إعجابا بما خاطب [به] علويه إسحاق، قال له [ص ١٧٧] إسحاق: أما ما ذكرته من تأخري إلى الوقت الذي حضرت فيه، فهو يعلم أني لا أتأخر عنه إلا بعائق قاطع، إن وثق بذلك مني وإلا ذكرت الحجة سرا من حيث لا يكون لك فيه مدخل، واما ترفعي عنه، فكيف اترفّع عنه وأنا أنتسب إلى صنائعه واستمنحه، وأعيش في فضله منذ كنت، وهذا تضريب «١» منك لا أبالي به، وأمّا حملي النبيذ معي، فإن لي في النبيذ شربا من طعمه إن لم أجده لم أقدر على ذلك الشرب منه، وينغص علي يومي أجمع، وإنما حملته ليتم نشاطي وينتفع بي، وأما طعني على ما أختاره، فإني لم أطعن على اختياره، وإنما أردت تقويمك، ولست والله تراني متتبعا لك بعد اليوم، ولا مقوما شيئا من خطاياك، وأنا أغني له- أعزه الله «٢» - هذا الصوت، فيعلم وتعلم ويعلم من حضر أنك قد أخطأته «٣» وقصرت فيه، وأما البرامكة وملازمتي لهم فأشهر من أن أجحده، وذلك والله أقل ما يستحقونه مني، ثم أقبل على الفضل- وقد غاظه في مدحه لهم- فقال: اسمع مني شيئا أخبرك به فيما فعلوه بي، ليس هو كثيرا في صنائعهم عندي ولا عند أبي، فإن وجدت لي في ذلك عذرا وإلا فلم: كنت مع ابتداء أمري نازلا مع أبي في داره،