فكان لا يزال يجري بين غلماني وغلمانه، وجواري وجواريه الخصومة، كما تجري بين هذه الطبقات، فيشكونهم إليه، فأتبين الضجر في وجهه، فاستأجرت دارا واسعة، فلم أرض ما معي من الآلات لها لمن يدخل إليّ من إخواني، أن يرى مثله عندي، وفكرت في ذلك وكيف أصنع فيه، وزاد فكري حتى خطر بقلبي فتح الأحدوثة من نزول مثلي في داره بأجرة، وإني لا آمن في وقت أن يستأذن «١» عليّ، وعندي بعض الرؤساء والأصدقاء الذين احتشمهم ولا يعلمون حالي، فيقال: صاحب دارك، أو يوجه في وقت فيطلب أجرة الدار وعندي من أستحشمه، فضاق بذلك صدري ضيقا عظيما: حتى جاوز الحد، فأمرت غلامي بأن يسرج لي حمارا كان عندي لأمضي إلى الصحراء أتفرج فيها، مما دخل إلى قلبي، فأسرجه وركبت برداء ونعل، فأفضى بي المسير وأنا مفكر لا أميز الطرق التي أسلك فيها، وهجم بي على باب [ص ١٧٨] يحيى ابن خالد، فوثب غلمانه إليّ وقالوا: أين هذا الطريق؟ فقلت: إلى الوزير، فدخلوا فاستأذنوا وخرج إليّ الحاجب فأمرني بالدخول، وبقيت خجلا، قد وقعت في أمرين قبيحين، إذ دخلت عليه برداء ونعل، وأعلمته أني قد قصدته في تلك الحال كان سوء أدب، وإن قلت له أين كنت مجتازا ولم أقصدك فجعلتك طريقا، كان قبيحا، ثم عزمت على صدقه، فلما رآني تبسم وقال: ما هذا الزي يا أبا محمد، احتسبنا لك بالبر والقصد والتفقد، ثم علمنا أنك جعلتنا طريقا، فقلت: لا والله أيّها الوزير، ولكني أصدقك، قال: هات، فأخبرته بالقصة من أوّلها إلى آخرها، فقال: هذا حق مستو، أفهذا شغل قلبك، قلت: أي والله، وزاد فقال: لا تشغل قلبك بهذا، يا غلام: ردوا حماره، وهاتوا خلعة، فجاؤوني بخلعة من ثيابه تامة فلبستها، وجيء بالطعام