للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فاستحسنه المأمون وذهبت آخذه، ففطن بي إبراهيم، فجعل يزيد فيه مرة وينقص أخرى بزوائده التي كان يعملها في الغناء، وعلمت ما يصنع فتركته، فلما قام قلت للمأمون: يا سيدي، إن رأيت أن تأمر إبراهيم أن يلقي علي:

يا صاح يا ذا الضامر العنس

فقال: أفعل، فلما عاد قال له: يا إبراهيم ألق على محمد:

يا صاح يا ذا الضامر العنس

فألقاها علي كما كان يغنيه مغيرا، ثم انقضى المجلس وسكر المأمون، فقال لي إبراهيم: قم الآن فأنت أحذق الناس به، فخرج وخرجت، وجئته إلى منزله، فقلت له: ما في الأرض أعجب منك، أنت ابن خليفة وأخو خليفة [ص ٢٠٣] تبخل على وليّ لك مثلي لا يفاخرك بالغناء، ولا يكاثرك بصوت! فقال لي: يا محمد، ما في الدنيا أضعف عقلا منك، والله ما استبقاني المأمون محبة لي، ولا صلة لرحمي، ولكنه سمع من هذا الجرم شيئا فقده من سواه، فاستبقاني لذلك، فغاظني قوله، فلما دخلت إلى المأمون حدثته بما قال لي، فقال لي: يا محمد، هذا أكفر الناس لنعمة، وأطرق مليا ثم قال: لا نكدر على أبي إسحاق وقد عفونا عنه، ولا نقطع رحمه، واترك هذا الصوت الذي ضن به عليك إلى لعنة الله.

قال محمد بن يزيد: لما رضي المأمون عن إبراهيم بن المهدي ونادمه، دخل إليه متبذلا في ثياب المغنين وزيهم، فلما رآه ضحك وقال: نزع عمي ثياب الكبر عن منكبيه، فدخل فجلس، فأمر المأمون ان يخلع عليه فلبس الخلع، ثم ابتدأ مخارق يغني: «١» [الطويل]

<<  <  ج: ص:  >  >>