فإذا غنى مخارق خرجوا من صورهم، فتغيرت وجوههم وتحركت ارجلهم ومناكبهم، وظهرت أسباب الطرب فيهم، وازدحموا على الحبل الذي يقفون من ورائه.
قال: سمع إبراهيم الموصلي يوما مخارقا يغني وهو صغير، فقال له: نعم الفسيلة غرس إبليس منك في الأرض.
قال هارون بن محمد بن هشام: دعانا مخارق يوما فأطعمنا جزورية، وجلسنا نشرب، فإذا نحن بامرأة تصيح: يا أبا المهنا، الله الله في، حلف زوجي بالطلاق أن يسمع غناءك ويشرب عليه، قال: اذهبي فجيئي به، فجاء فجلس، فقال له:
ما حملك على ما صنعت، قال: يا سيدي، كنت سمعت صوتا من صنعتك فطربت عليه حتى استخفني الطرب، فحلفت أن أسمعه منك، ثقة بك، وكانت زوجته داية هارون بن مخارق، فقال له: ما الصوت؟ فقال:«١»[الكامل]
بكرت علي فهيجت وجدا ... هوج الرياح وأذكرت نجدا
أتحن من شوق إذا ذكرت ... نجد وأنت تركتها عمدا
[ص ٢١٩] فغناه إياه وسقاه رطلا وأمره بالانصراف، وقال له: احذر أن تعاود فانصرف، فلم يلبث أن جاءت المرأة وعاودت الصياح، وهي تقول: يا سيدي، قد عاود اليمين، الله الله فيّ وفي أولادي، فقال: هاتيه، فأحضرته، فقال لها: انصرفي أنت، فإن هذا كلما انصرف حلف وعاود، فدعيه يقيم عندنا اليوم، فتركته وانصرفت، فقال له مخارق: ما قصتك؟ قال: رجل طروب، وكنت سمعت صوتا من صنعتك فاستخفني الطرب حتى حلفت أن أسمعه منك،