قال إسحاق: اشترى الرشيد من أبي جارية بستة وثلاثين ألف دينار، فأقامت عنده ليلة، ثم أرسل إلى الفضل بن الربيع يقول: إنما اشترينا هذه الجارية من إبراهيم ونحن نحسب أنها من بابتنا «١» ، فليس كما ظننا، وما قربتها، وقد ثقل علي الثمن، وبينك وبينه ما بيننا، فاذهب إليه وسله أن يحطنا من ثمنها ستة آلاف دينار، وقال: فصار إليه الفضل فاستأذن فخرج أبي إليه فتلقاه فقال: دعني من هذه الكرامة التي لا مؤونة فيها، لست ممن يحب ذلك، وقد جئتك في أمر أصدقك عنه، وخبره بالخبر كله، فقال له أبي إنما أراد أن يبلو قدرك عندي، قال:
ذاك أراد، قال: فما لي عليه في المساكين صدقة، إن لم اضعفه لك، قد حططتك اثني عشر ألف دينار، فرجع إليه الفضل بالخبر فقال له: ويلك، احمل إلى هذا ماله، فما رأيت سوقة قط أنبل منه نفسا. [ص ٢٣٠]
قال إسحاق: وكنت قد قلت له: ما كان لحطيطة هذا المال معنى، فقال لي: يا أحمق، أنا أعرف الناس به، والله لو أخذت المال منه كاملا، ما أخذته إلا وهو كاره له، ولحقد ذلك علي، وكنت أكون عنده صغير القدر، وقد مننت عليه وعلى الفضل، فانبسطت نفسه، وعظم قدري عنده وإنما اشتريت الجارية بأربعين ألف درهم، وقد اخذت بها أربعة وعشرين ألف دينار، فلما حمل المال بلا حطيطة، دعاني فقال: كيف رأيت يا إسحاق، من البصير أنا أم أنت فقلت: بل أنت جعلني الله فداك.
قال إبراهيم بن المهدي: انصرفت ليلة من الشماسية «٢» ، فمررت بدار إبراهيم