للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال مخارق: اشتغل الرشيد يوما واصطبح مع الحرم، وقد أصبحت السماء مغيمة، فقلت والله لأذهبن إلى أستاذي إبراهيم فأعرف خبره، فجئت فدخلت عليه وهو في رواق له، وبين يديه قدور تغرغر «١» ، وقناني تزهر، والستارة منصوبة، والجواري خلفها، وبين يديه صينية فيها رطلية وكوز وكأس، فقلت:

ما بال الستارة لست أسمع من ورائها؟ فقال: اقعد ويحك، إني أصبحت على الذي ظننت، فأتاني خبر ضيعة تجاورني، قد والله طلبتها زمانا ومنيتها فلم أملكها، وقد أعطي بها مئة ألف درهم، فقلت: وما يمنعك منها؟ فو الله لقد أغناك الله أضعاف هذا المال وأكثر، قال: صدقت، ولست أطيب نفسا بأن أخرج هذا المال، قلت فمن يعطيك الساعة مئة ألف درهم، وما أطمع في ذلك من الرشيد فكيف بمن دونه، فقال: اجلس فخذ هذا الصوت، ثم نقر بقضيب معه على الدواة وألقى علي هذا الصوت: «٢» [البسيط] .

نام الخليّون من هم ومن سقم ... وبت من كثرة الأحزان في الم

يا طالب الجود والمعروف مجتهدا ... اعمد ليحيى حليف الجود والكرم

قال: فأخذته فأحكمته، وقال لي امض الساعة إلى باب يحيى بن خالد، فإنك تجد الناس عليه، وتجد الباب قد فتح ولم يجلس بعد، فاستأذن عليه قبل أن يصل إليه أحد، فإنه سينكر مجيئك ويقول لك: من أين أقبلت في هذا الوقت؟

فحدثه بقصدك إياي وما ألقيت إليك من خبر الضيعة، وأعلمه أني صنعت هذا الصوت وأعجبني، ولم أر أحدا يستحقه إلا فلانة جاريته، وأني ألقيته عليك حتى أحكمته لتطرحه عليها، فسيدعو بها، ويأمر بالستارة فتنصب، ويقول لك

<<  <  ج: ص:  >  >>