يريد الخلوة مع جواريه اليوم، فاستأذن عليه وحدثه بحديثنا الأول من أمس وما كان من أبيه إلينا وإليك، وأعلمه أني صنعت هذا الصوت، وكان عندي أرفع منزلة من الصوت الأول الذي وضعته، وإني ألقيته عليك حتى أحكمته، ووجهت بك قاصدا لتلقيه على فلانة جاريته، فصرت إلى الفضل فوجدت الأمر على ما ذكر، فاستأذنت فوصلت إليه، فسألني عن الخبر، فأعلمته بخبري وما وصل إلي وإليه من المال، فقال: أخزى الله إبراهيم ما أبخله على نفسه! ثم دعا خادما وقال له: اضرب الستارة، فضربها، فقال: ألقه، فألقيته، فلما ألقيته قال:
أحسن والله أستاذك، وأحسنت أنت يا مخارق، ولم أبرح حتى أخذته الجارية وأحكمته [ص ٢٣٣] فسر بذلك وقال: يا غلام، احمل مع أبي المهنا عشرين ألف درهم، واحمل إلى إبراهيم مئتي ألف درهم، فانصرفت إلى منزلي بالمال فنثرت منه على الجواري، وشربت وسررت أنا ومن عندي، فلما أصبحت بكرت إلى إبراهيم فوجدته على الحال التي كان عليها، فدخلت أترنم وأصفق، فقال لي:
ادن، فقلت: ما بقي؟ فقال: اجلس وارفع سجف هذا الباب فإذا عشرون بدرة مع تلك العشر، فقلت: ما تنتظر الآن؟ فقال: والله ما هو إلا أن حصلت حتى جرى مجرى ما تقدم، فقلت: والله ما أظن أن أحدا نال في هذه الدولة ما نلته، فلم تبخل على نفسك بشيء تمنيته، دهرك، وقد ملكك الله أضعافه؟ ثم قال:
اجلس فخذ هذا الصوت، فألقى علي صوتا أنساني الأولين:«١»[الطويل]
أفي كل يوم أنت صب وليلة ... إلى أم بكر لا تفيق فتقصر
أحب على الهجران أكناف بيتها ... فيالك من بيت يحب ويهجر
إلى جعفر سارت بنا كل جسرة ... طواها سراها نحوه والتهجر
إلى واسع للمجتدين فناؤه ... تروح عطاياه عليهم وتبكر