قال إسحاق: سمعت الرشيد وقد سأل أبي: كيف يصنع إذا أراد أن يصوغ الألحان، قال: يا أمير المؤمنين، أخرج [ص ٢٤٤] الهم من فكري وأمثل الطرب بين عيني، فتسرع لي مسالك الألحان التي أريد فأسلكها بدليل الإيقاع، فأرجع مصيبا ظافرا بما أريد، فقال: يحق لك يا إبراهيم أن تصيب وتظفر، وإن حسن وصفك مشاكل لحسن صنعتك وغنائك.
قال ثمامة بن أشرس: مررت بإبراهيم الموصلي ويزيد حوراء وهما مصطبحان «١» ، وقد أخذا بينهما صوتا يغنيانه، هذا بيتا وهذا بيتا:«٢»[الطويل]
أيا جبلي نعمان بالله خليا ... سبيل الصبا يخلص إلي نسيمها
فإن الصبا ريح إذا ما تنسما ... على نفس مكروب تجلت همومها
قال ثمامة: فو الله ما خلت أن شيئا بقي من لذات الدنيا بعد ما كانا فيه قال إبراهيم الموصلي، قال لي جعفر بن يحيى يوما: صر اليّ حتى أهب لك شيئا حسنا، فصرت إليه فقال لي [أيما] أحب إليك، أهب لك الشيء الحسن الذي وعدتك به، أو أرشدك إلى شيء تكسب به ألف ألف درهم، فقلت بل يرشدني الوزير أعزه الله إلى هذا الوجه، فإنه يقوم مقام إعطائه إياي هذا المال، فقال: إن أمير المؤمنين يحفظ شعر ذي الرمة حفظ الصبا، ويعجبه ويؤثره، فإذا سمع فيه غناء أطربه أكثر مما يطربه غيره مما لا يحفظ شعره، فإذا غنيته، وأطربته وأمر لك بجائزة، فقم على رجلك وقبل الأرض وقل له: لي حاجة غير هذه الجائزة، أريد أن أسألها أمير المؤمنين، وهي حاجة تقوم عندي مقام كل فائدة ولا تضره ولا