فطرب هارون حتى وثب على رجليه وصاح: يا آدم، لو رأيت من يحضرني من ولدك اليوم لسرك! ثم جلس وقال: أستغفر الله.
قال: علي بن عبد الكريم: زار ابن جامع إبراهيم الموصلي، فأخرج إليه ثلاثين جارية، فضربن جميعا طريقة واحدة، ثم غنّين فقال ابن جامع: في الأوتار وتر غير مستو، فقال إبراهيم: يا فلانة، شدي مثناك، فشدته [فاستوى] ، فعجبت أولا من فطنته وابن جامع للوتر بعينه.
قال إبراهيم الموصلي: قال لي الرشيد يوما يا إبراهيم إني جعلت غدا للحرم، وجعلت ليلته للشرب مع الرجال، وأنا مقتصر من المغنين عليك، فلا تشغل غدا بشيء، ولا تشرب نبيذا، وكن بحضرتي وقت العشاء الآخرة، فقلت: السمع والطاعة لأمير المؤمنين، فقال:[ص ٢٤٦] وحق أبي لئن تأخرت أو اعتللت بشيء لأضربن عنقك، أفهمت؟ قلت: نعم، وخرجت، فما جاءني أحد من إخواني إلا احتجبت عنه، ولا قرأت رقعة لأحد حتى صليت المغرب وركبت قاصدا إليه، فلما قربت من داره مررت بفناء قصر، وإذا زنبيل «١» كبير مستوثق منه بحبال وأربع عرى أدم، وقد دلي من القصر، وجارية تنتظر إنسانا قد وعد ليجلس فيه، فنازعتني نفسي، إلى الجلوس فيه، ثم قلت: هذا خطأ، ولعله يجري سبب يعوقني عن الخليفة فيكون الهلاك، ولم أزل أنازع نفسي وتنازعني، حتى غلبتني، فنزلت وجلست فيه، ومدّ الزنبيل حتى صار في أعلى القصر، ثم خرجت فنزلت، فإذا جوار كأنهن المها جلوس، فضحكن وطربن، وقلن: قد جاء والله [من أردنا] ، فلما رأينني من قريب تبادرن عني وقلن: يا عدو الله ما