للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمره أن ينصب الأرصاد على منازل المغنيات والمغنين، ومواطن الإناث والمخنثين؛ فإذا أتاه خبر بمجمع تضمهم، أو مأدبة تعمهم، ضرب إليها أعقاب إبله، وأنضى حولها مطايا خيله، وحمل عليها حملة الحوت الملتقم، والثعبان الملتهم، والليث الهاصر «١» والعقاب الكاسر.

وأمره أن يتجنب مجامع العوام المقلين، ومحافل الرعاع المقترين، وأن لا ينقل إليها قدما ولا يفغر لمآكلها فما، ولا يلفى في عتب دورها كيسانا، ولا يعد الرجل منها إنسانا؛ فإنها عصابة يجتمع لها ضيق النفوس والأحوال، وقلة الأحلام والأموال، وفي التطفيل عليها إجحاف بها يوثم، وإزراء بمروءة المتطفل [يوصم] ، والتجنب لها أجدى «٢» ، والازورار عنها أرجا.

وأمره أن يحرز الخوان إذا وضع، والطعام إذا نقل، حتى يعرف بالحدس والتقريب، والبحث والتنقيب، عدد الألوان في الكثرة والقلة، وافتنانها في الطيب واللذة، فيقدر لنفسه أن يشبع مع آخرها، وينتهي عند انتهائها، ولا يفوته النصيب من كثيرها وقليلها، ولا يخطئه الحظ من دقيقها وجليلها؛ ومتى أحس بقلة الطعام، وعجزه عن الأقوام، أمعن في أوله إمعان الكيّس في سعيه، الرشيد في أمره، المالئ لبطنه من كل حار وبارد؛ فإنه إذا فعل ذلك سلم من عواقب الأغمار الذين يكفون تظرفا، ويقلون تأدبا، ويظنون أن المادة تبلغهم إلى آخر أمرهم، وتنتهي إلى غاية شبعهم، فلا يلبثون أن يخجلوا خجلة الواثق، وينقلبوا بحسرة الخائب؛ أعاذنا الله من مثل مقامهم، وعصمنا من شقاء جدودهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>