- أصانها الله- مزيد للعفة، ومزيل للكلفة، والزواج يستحبّ للرجال والنساء سواء، في طلب تجديده شهوات الأمّهات والآباء، وقد جدع الإسلام أنف الغيرة «١» ، وجعل فيما اختاره الخيرة؛ ولا يسخطك- أعزك الله- ما رضيه موجب الشرع، وحبّب أدب الديانة، وحكم به حاكم العقل في الصيانة، فمباح الله أحقّ أن يتبع، وهوى النفس في الحمية أولى أن يمتنع؛ فإياك أن تكون ممن إذا عدم اختياره، تسخط اختيار القدرة.
ومنه قوله في فتوح: أصدرت هذا الكتاب بمواقع نعم الله الشاملة، وآثار نعمه المتواصلة؛ وهو أنّا لمّا رأينا السّيوف متوثبة في الأيدي للضرب، وحاذرنا هجوم الشتاء على مضيق الدرب، جعلنا آخر الأمر أوله، وركبنا من الصعب أهوله، وأرسلناها تتبارى في الركض، وتتلاعب بالأرض، وتتواثب كالظلمان، وتتهافت كالعقبان؛ أسرع من النجوم السائرة، وأنفذ من السهام العائرة؛ إلى أن نزلنا بطن هنزيط «٢» ، فكنا أسبق إلى عيون أهلها من النظر، وأدخل في نفوسهم من تسقط الحذر، ولم يمض صدر اليوم إلّا وقد حصل جميع من فيه من المقاتلة والحامية، والشّبي والماشية، والغلام والجارية، تحت رقّ الصّفاح، وفي ملك الخيل والرّماح؛ ثم يمّمنا بلد قالي قلا «٣» ، فوردناها وقد سبقنا الإنذار، وتقدمّنا إليهم الحذار، فرجعنا إليهم بالعزائم الثاقبة، والكتائب العالية، فما كان بأسرع من أن زلزلت بهم الأقدام، وتحصّنوا بالهرب من الحمام، ودخلوا البلد؛ فكاد السور يقذف بمقاتلتهم،