فرائد نظامها؛ فأحطنا بها إحاطة القلائد بالجيد، والشذرة بالفريد، ثم اشتدّ الوغى، فخيلت المعركة سماء غمامها مثار القساطل، وبروقها بريق المناصل، ورعودها صرير السّلاح، ورشاشها صبيب الجراح؛ واستقبل المعمة من الجنود رجال، يرون الملاحم ولائم، والوقائع نقائع؛ وحطّت الرّماة أيديها في جعاب كخراطيم الفيول، مملوءة بنبال كأنياب الغول؛ وظلّت السهام تتهاوى كما تتهاوى لوامع الشّهب، وتترامى ترامي نوازع السّحب؛ والطعن يهتك ودائع الصّدور، ويرد مشارع الغموم والسّرور؛ ولم تزل الملحمة حتّى استقلّت الشمس إكليلا على الجبل، ونفّضت ورسا على الأصل، فافترق الجمعان، وضرب اللّيل بينهما بجران، إلى أن صافح الليل صباحه، ونثر النجم على الغرب وشاحه، فعادوا إلى أمسهم، وتداعوا من آثاره القيام إلى رمسهم، وصارت الأرواح تسقى بأرشية الأرماح، إلى تولّي عسكر البلد هزيما يقفوه الصّباح، وهشيما تذروه الرياح؛ يتقاسمون الهرب جماما، ولا يردون الماء إلّا لماما؛ وعسكر السّلطان في آثارهم يرميهم بالصّواعق من ظبى السّيوف البوارق، ويقذفهم بالشّهب اللّوامع من شبا الرّماح الشوارع، حتّى صار من سلم منهم إلى الأطراف ضرورة، إذ كانت جيوب الآفاق عليه مزرورة.
وما برح السّلطان يتطلّب ملكهم حتّى حصل في معتقله، وحصّله في مكمن أجله، فهدأ من الخوف سره، وختم بطابع الشقاء عمره، ثم صعد السّلطان المدينة، ودخل بيت البدّ وظفر منه ومنها بأموال طالما حفظتها صدور الخزائن مكتومة، وخنقتها خيوط الأكياس مختومة، مما أوهت في تعدادها أنامل الحساب، وأحفت بل أفنت أقلام الكتّاب، فمن ذهب وفضة، ما منهما إلّا ما يكاثر الأحجار، ويستقلّ الأمطار؛ ومن لآل كأنّما صورت من الشّمس ضياء، وخلقت لمضاهاة حبّ الغمام عدّا وصفاء؛ ومن يواقيت كالجمر قبل الخمود، والخمر بعد الجمود، ومن زبرجد كأطراف الآس نضاره، أو ورق الأقحوان غضاره؛