اللهم لا أشكو إلّا إليك، ولا أسأل إلّا أنت، ولا أبثّ عبادك ما بي من بلائك، إلا لأستلزم إليك الشفعاء، وأستدعي منهم الدّعاء؛ فإن دعوتك من حقّها أن ينظّف لها الوعاء؛ فأما طاحونة مدينة الجسد وهي الأسنان، فبعض السّنّ ظعن مع السّنّ، وبعضه بقي منه جذم غير مرجحنّ، وما كنت أدري ما معنى قيد الحياة إلى أن قيدتني المفاصل بوجعها، وعلّة النقرس بتسفّلها وبرفعها؛ وأنا الآن بالحقيقة في ضدّ الحياة إحساسا، ولابس جسم قد كرهته النفس لباسا.
ومنه قوله «١» : ورد كتاب المجلس السّامي، نصر الله عزائمه، وأمضى في رؤوس الأعداء صوارمه، وشدّ به بنيان الإسلام ودعائمه، واسترد به حقوق الإسلام من الكفر ومظالمه، وأخلف نفقاته في سبيل الله ومغارمه، وجعلها مغانمه؛ وكان العهد به قد تطاول، والقلب في المطالبة ما تساهل، ولمحت اشتغاله بالطاعة التي هو فيها وما كلّ من تشاغل تشاغل، فهنّأه الله بما رزقه، وتقبّل في سبيل الله ما أنفقه، وعافى الجسم الذي أنضاه في جهاد عدوّه وأخلقه، وقد وفق من أتعب نفسا في طاعة من خلقها، وجسما في طاعة من خلقه؛ فهذه الأوقات التي أنتم فيها أعراس الأعمار، وهذه النّفقات التي تجري على أيديكم مهور الحور في دار القرار؛ قال الله سبحانه في كتابه الكريم: وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ
«٢» .
وأما فلان وما يسره الله له وهوّنه عليه من بذل نفسه وماله، وصبره على المشقات واحتماله، وإقدامه في مواقف الحقائق قبل رجاله، فتلك نعمة الله عليه،