للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي العينان، إلّا أن الليل والنهار سواء في وصف صحتها، وهي القلق، إلّا أنّ العيون دائمة الاستمتاع بلمحتها، وهي الرّوض، إلا أن أنفاس النسيم منافسة في العبارة عن غير نفحتها، وهي المذكرات الأنفس بالله، إلا أن أسطرها سلوكها، وحروفها درر صفحتها «١» ؛ ولا زال الخادم إلى مثل هذه الفقر فقيرا، وبها على نفسه بصيرا، وإذا أنعم بتسييرها إليه عدّها نعيما مقيما، وإذا ملكها رآها ملكا كبيرا، وما تردّ واردة من الدار العزيزة، وذلك أنّ المواصلة ما فرغوا إلى دار الخلافة إلى أن فرغوا، وإلا فطالما طمع أولهم كما طمعوا، وقديما دعوا إلى طاعتها فما سمعوا، وسمعوا فما انتجعوا؛ ولا يربّى الصغير إلا بما ربّي «٢» عليه الكبير، ولا سبّ على جناية الأول إلا بما جناه الأخير، وقد كانت دولة العجم بالعراق استعلت ثم استفلت، وهبّت ثم وهنت، فتعبت رجال الليالي والأيام، وأولو تدبيرات السّيوف والأقلام بدار الخلافة، إلى أن صرفوا العدى عن موردها، وأبعدوا الأذى عن معهدها، واستقلّت الخلافة وحدها، ولزمت الأمور حدها؛ وإذا كانت المواصلة قد تقطعت بهم الأسباب، وأوصلهم حساب الحرب إلى العقاب، وتبرّأ الذين اتّبعوا من الذين اتّبعوا، وتفرّق الذين اجتمعوا بعد ما جمعوا، ففريق فرّ نازحا، وفريق قرّ مصالحا، وفريق على البعد راسل مستصلحا ومتطارحا، وفريق فتح بلده الذي كان التقليد له فاتحا، فلم يبق للمواصلة إلا أن يأووا إلى جبل يعصم من الماء، ويتعللوا بسراب بقيعة لا متعلل فيه للظمأ، ومعلوم أنهم إذا اختلبوا تلك الجهة، عادوا عود طائر نقّاق إلى عشه، واسترجعوا خاتم ملك، فربما رجع الأمر جاريا على نفسه، وما أولى ولاة المناصب، وكفاة المراتب وحملة الأمانات، وخدم سدّة السادات، إلى أن يفيقوا لهذه العمرة حق

<<  <  ج: ص:  >  >>