إلا أن المملوك قد أطال الإقامة في دار المقامة، ونال الكرامة حتى يكاد يسأم الكرامة، وله أسوة بالقائل وقد طالت حياته: سئمت تكاليف الحياة «١» ؛ وإذا أغرقت المياه وإن كانت عذبة شكيت المياه.
ومنه قوله: وينهي ورود المثال الكريم، بالنبإ العظيم الذي أصمى القلوب، وأصم المسامع، وأوقف الخواطر، وأجرى المدامع، وضيق على النفوس مجرى الصبر الواسع، وفزعت الآمال فيه إلى الكذب، فما أجدى جزع الجازع من نعي الإمام الطاهر النقي، العلم الزاهر الزكي، خليفة الله المستنصر بالله، بوأه الله جنان عدنه، وأسكنه غرفات أمنه، وانتقاله عن الغمة الضيقة إلى الرحمة الواسعة، ومصيره من الدار المفرقة إلى الدار الجامعة؛ فأظلم بها الأفق لكسوف شمس الضياء، ودجا ليل الجو لخسوف قمر العلياء، وضحيت وجوه المكارم لتقلص تلك الأفياء، وكادت تنفطر لفقده السماء ذات البروج بقضاء نحبها، وبكته بدموع قطرها من جفون سحبها، حتى خدت خدود المروج، وشقت للأرض جيوب تربها فألبسها حدادا من بياض الثلوج، فياله خطبا عم الوجود باسره بأسره، وحص جناح الإيمان بحصه بل بكسره، وعرف كل عارف بفظاعة نكره، وقضى لكل قلب بتجمع همه وتقسم فكره، وأعاد الإسلام غريبا كما بدأ أول عمره؛ لكن أقرن به الخبر الذي سر السرائر وجلّى الدياجر، وثبت القلوب بعد أن بلغت الحناجر، بولاية مولانا الإمام المحتوم الطاعة، خليفة الله في أرضه، والقائم بسنة الإيمان وفرضه، أمير المؤمنين المستعصم بالله ابن خليفته ووليه، وابن عم رسوله ونبيه، فأجلت بوائق الحادث الجلل، وقضت بانقباض الوجل، وانبساط الأجل،