أعز الله أنصار المقام، ولا زالت مكارمه كالبحر تقذف لمن جاز به بدرّه، والروض يسابق من مر عليه بنشره، والمسك يبادر من دنا منه بعطره، والغيث الذي لا يقتصر على سائله بفيض قطره.
المملوك يقبل الأرض التي من حل بها نال الغنى، ومن خيم بدارها نال المنى، وما اجتاز بها إلا من وافاه إسعافه وإسعاده، وما سار أحد في الآفاق إلا ومن إنعامها راحلته وزاده، وينهي ورود كتاب فلان، يصف إحسان مولانا إليه وإنعامه، وما تعجل في مقامه الأمين من دار الكرامة، وإقامته به وبعسكره في حالتي توجهه وعوده، وشكر سحابه العميم وجود جوده، وشكر المملوك عنه صدقات ملل لا يخلو نازل من إكرامه، ولا راحل من إنعامه، ولا يزال في الإقامة والظعن، إما يؤويهم إلى كنفه أو يرسل عليهم ظلة من غمامه، وتلك سجية مولانا التي جبلت على الإحسان إلى كل إنسان، واصطناع المعروف إلى المعروف وغير المعروف، والله تعالى يوزع الدهر شكر مولانا الذي شمل بره الأنام، وسطرته أنامل الحمد في صحائف الأيام.
ومنه قوله:
ووصلنا معه طرابلس، فنزل بساحتها، وجعلها للعساكر المنصورة موطن راحتها، وموطن إباحتها، وقد تكفل البحر لها بالامتناع، وضمن لها ما يزيد على حصانة القلاع، وأمدها من بلاد الفرنج كل يوم بمدد، وواصلها بالمراكب الكثيرة العدد، بما يزيد على أمواجه في العدد، فوصل رسل أهلها وتوسلوا بالذرائع، وبذل الأموال والقطائع، وعمارة المئذنة والجامع، فلم يقنع منهم بغير الإسلام، أو تسليم البلد بجملته، وإعادة القبلة من شرق بيعته إلى قبلته، فاعتصموا بالأسوار، وركنوا للقتال من وراء الجدار، وأطلقوا نحو كل سهم من