المنجنيق يشير عليهم بنانه بالإيمان، ويميل تارة إليهم وتارة إلينا ويميد كالنشوان، فنصبنا مجانيقنا قبالة مجانيقهم التي نصبوها من وراء أسوارها، ولم تزل ترميهم حتى عاد السور رميما، والحجر الذي كان بأعلى الأبراج في أسفل الخندق هشيما، وكثيرا ما كانت تتبر مجانيقهم فتقضي عليهم ببوارهم، وتبشرهم من أول أمرهم بإدبارهم، وتصيبهم قارعة بما صنعوا أو تحل قريبا من دارهم، فرجعت عليها العساكر المنصورة، وفي عاجل الوقت ملكوا الباشورة، فعلموا أنه لم يبق سوى الإسار، أو القتل أو الفرار، فالتبست على كل منهم مذاهبه «١» : [الطويل]
فراحوا فريقا في الإسار وبعضهم ... قتيل وبعض لاذ بالبحر هاربه
فهجمت العساكر المنصورة عليها هجوم الليوث الضواري، وعاجلت أكثرهم عن الالتجاء إلى المركب أو الاعتصام بالصواري، وتصرفت فيمن بقي منهم يد القهر، وتنوعت فيهم من القتل والنهب والسبي والأسر.
ومنه قوله مما كتبه إلى أبي الفضل بن عبد الظاهر «٢» : [السريع]
سقى وحيّا الله طيفا أتى ... فقمت إجلالا وقبّلته
لشدة الشوق الذي بيننا ... قد زارني حقا وقد زرته
وافى من الجناب العالي المحيوي، آنس الله المملوك بقربه، وحفظ عليه منزلته من قلبه، وهداه إلى الطريق الذي كان قد ظفر فيها بمطلب البلاغة من كتبه، ولا شغله بسواه حتى لا يسمع غير كلامه، ولا يرى غير شخصه ولا ينطق إلا بذكره لغلبة حبه، ولا رآه في المنام، ولا رآه في خفية واكتتام، ولا شاهده بدعوى