للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمشق، حتى رأيت الحزم، شد الكور إليها والحزم، فأزمعت السير، ولم أزجر الطير، وقطعت أديم الأرض بالسير، وركبت إليها مطاء الشوق قبل مطايا السوق، ولم يتلفت القلب إلى الوطن، ولا حن النجيب إلى العطن، حتى بلغتها بعد مكابدة السرى، وإثارة العجاج من الثرى، فلما حللت مغناها وجدتها: [الكامل]

بلدا أعارته الحمامة طوقها ... وكساه حلة ريشه الطاووس

وكأنما الأنهار فيه سلافة ... وكأن ساحات الديار كؤوس

فألقيت العصا في ساحتها، وألفيت زوال التعب في مصافحة راحتها، فما سرت فيها إلى روض إلا وأجلسني من النرجس على أحداقه، وقام السرو من السرور بين يدي على ساقه، وجرى الماء في خدمتي لكرم أخلاقه، وظللني الدوح لطيب أعراقه، ومد الغصن لي ستور أوراقه، وغنى لي الحمام على عوده، ولو تأنى أو تأبى جره بأطواقه. قال:

فشفيت سقمي بنسيمها العليل، واستروحت إلى ما نقله عن بانه وبنفسجه لا إلى ما يتحمله من الإذخر والجليل، وخلت أنه بلطف مسه يلين له الجندل، وجننت بعرفه المندلي، وما رأى الناس من جنّ بالمندل، وبردت بأنفاسه حر الصبابة والجوى، وقلت: [الكامل]

أضحى نسيم دمشق حياها الحيا ... يمشي الهوينا في ظلال حماها

فكأنه من مائها وهضابها ... ما داس إلا أعينا وجباها

وقطعت بها زمنا ألذ من وصال الحبيب، وأشهى إلى النفس من التشفي بأذى الرقيب، فلا أبعد الله ما في بساتينها من شجرات، ولا قدّر الكسوف على ما فيها من كواكب الثمرات، ولا دكّ هضبات أزهارها التي تضوع بطن نعمان برياها، لا بمن مشى به من الخفرات، فإنها: [الخفيف]

<<  <  ج: ص:  >  >>