شوقتنا إلى الجنان فزدنا ... في اجتناب الذنوب والآثام
قال: ولازمت جامعها الذي تحيرت العقول في تكوينه وكنهه، وحسنه الذي لم يكن فيه عيب سوى أنه لم تقع العين على شبهه، ولله من نظم درّا فيه حين قال فيه:[المتقارب]
دمشق لها منظر رائق ... وكلّ إلى وصلها تائق
وكيف تقاس بها بلدة ... أبى الله والجامع الفارق
فإنه يوقظ النائم، بحسن رخامه القائم، ويجلو بهيم الدجى حصّة الفجر من حصّه، وتروي لك زخرفته حديث الحسن بفصه، كم زهرت فيه ليلة النصف من ذبالة هي نجم توقد، وكم دار به دولاب كانت قناديله تدور مثل الفرقد، وكم طلع في سماء صحنه من ثريا، وكم تمنى من القمر لو كان بين نجومه فما اتفق له ذلك ولا تهيا، وكم جليت عروسه في عقود وقود، وكم تمتعت الأبصار فيه بوجوه تخجل البدر في ليالي السعود، وكم فيه من عمود قام على قاعدة، وكم به من منجور كغضون أوجه العجائز وأزراره ناهدة، وكم من أعطاف رؤيت في صحنه مائدة، وكم من طائر لرفع نسره مخفوض، وكم حسن بناء عند بنائه يعرب أنه مرفوض، كم أظهرت الصناع فيه بدائع لا يدعيها غيرهم ولا يتعاطى، وكم أبرزوا فيه من معجز لأنهم جعلوا الحجارة أوراقا والرخام أخياطا، قد عمر الله تعالى أوقاته بالذكر، وأراح قلب من يراه من الهم، وأراح عنه الفكر.
قال: فلما رأيت مجموعه المختار، وأن العيون تودّ لو نسج له من شعر جفونها أستار، قلت «١» : [الطويل]
تقول دمشق إذ تفاخر غيرها ... بجامعها الزاهي البديع المشيد