جرى لتناهي حسنه كلّ جامع ... وما قصبات السبق إلا لمعبد
قال: فبينا نحن ذات ليلة وقد وردنا حمى المضاجع، ودخل ضيف الطيف على مقلة الهاجع، وإذا بالأصوات تعجّ، والدعوات تلج أبواب السماء وتلجّ:[الطويل]
فلو نشدت نعشا هناك بناته ... لمات ولم يسمع لها صوت منشد
فسألت عن الخبر ممن عبر، فقال: إن الحريق وقع قريبا من الجامع، وانظر إلى نسج الجوّ كيف انتشرت فيه عقائق اللهب اللامع؛ فبادرت إلى صحنه والناس فيه قطعة لحم، والقلوب ذائبة بتلك النار كما يذوب الشحم، ورأيت النار وقد نشرت في حداد الظلماء معصفرات عصائبها، وصعدت إلى عنان السماء عذبات ذوائبها:[من الطويل]
ذوائب لجت في علوّ كأنما ... تحاول ثأرا عند بعض الكواكب
وعلت في الجو كأنها أعلام ملائكة النصر، وكان الواقف في الميدان يراها وهي ترمي بشرر كالقصر، فكم زمر أضحت لذلك الدخان جاثية، وكم نفس كانت في النازعات وهي تتلو: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ
«١» ولم تزل النار تأكل ما يليها، وتفني ما يستفلها ويعتليها، إلى أن ارتقت إلى المئذنة الشرقية، ولعبت ألسنتها المسودة في أعراض أخشابها النقية، وثارت إليها من الأرض لأخذ الثأر، وأصبح صخرها كما قالت الخنساء: كأنه علم في رأسه نار «٢» ؛ فنكست وكانت للتوحيد سبابة، ولمعبدها المطرب شبابة، وابتلي رأسها من الهدم والنار بشقيقة، وأدار الحريق على دائرها رحيقه:[المتقارب]