للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقماشها جنة وحريرا، قد سلط الله عليها النار التي ما لها ردة، وأحرق أزهار ثيابها الملونة بوردة؛ ونظرت إلى الوراقين وقد زال ما بها من الطرائف، وطاف عليها من الدثور والخراب طائف، فيا ضياع أوضاعها المكونة، ويا سواد وجوه أوراقها الملونة، ولمحت اللبادين وقد صارت كالعهن المنفوش، ومحيت بأيدي النار سطور كل خاتم منقوش، وأصبح أهلها كالحمائم تنوح على أقفاصها، وتود اللآلئ أنها لم تخرج إليهم من مغاصها، فما منهم إلا ربّ نعمة سلبت، أصبح بعد الجديد في خلق، أو غنيّ أمسى بعد ما ضم قفصه يكدي في الحلق، وكادت الخضراء «١» تذهب بالنار الحمراء.

قال: فلما رأيت تلك الأطلال الدائرة، ونسخ هاتيك الظلال المتصلة بالهاجرة، وخطوطها وزواياها كيف أحاط بها سوء الدائرة: قلت عند مشاهدة تلك الحال في الحال: [الطويل]

حريق دمشق قد بدا لعياني ... ليظهر لي عند البيان معاني

غدت ناره في الجو تعلو وترتقي ... كأن لها عند النجوم أماني

لقد ضوّأ الآفاق لامع برقها ... وما كلّ برق شمته بيماني

وقد كاد يمحو آية الليل ضوؤها ... ويبدي نهارا بعد ذلك ثاني

ونالت عنان الجو حتى رأيتها ... يصرفه من تحتها بعنان

وطالت إلى نهر المجرة في السما ... لتقصد شيّ الحوت والسرطان

فأبصر أهل النيل لما ترفعت ... نجوم شرار في سماء دخان

كأن دخان النار غبراء مغزل ... وكل شرار فيه مثل سنان

ولو لم تكن نار الأعادي لما غدت ... وحنّاؤها باد بكل بنان

ولا صبغت بالزعفران قميصها ... سرورا ولا طالت بكل لسان

<<  <  ج: ص:  >  >>