للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وما نفض الناس غبار ذلك الهدم، ولا رماد ذلك الصدع الشديد الصدم، حتى وقع بالمدرسة الأمينية «١» حريق ثان، ودهمت شقراء النار دهماء الظلام، ولم يوجد لعنانها ثان، فجمعت بين عين الوداع وسين السلام، وكانت كحمى أبي الطيب، فليس تزور إلا في الظلام «٢» فيا لسوق الكفت كيف باد وفتت الأكباد؛ علكت النار لجمه، وكسفت نجمه، أين بأسه الشديد، ومنافعه التي لا تبيد؟ سكت زبره، ورفع خبره.

ويا لسوق الخيم، كيف ذهب، وعدم النصر على الكافرين، فتبت يدا أبي لهب، لقد تمسكت النار بأطنابه، وتجلد لها والنار تحت ثيابه، وأمسى وكل عمود غصنه مهصور، وكل خام وهو على البلى مقصور، كأن الشاعر قديما تخيل ما يحصل لها من الأوام، فقال: سقيت الغيث أيتها الخيام.

ويا لسوق القسي كيف محي من الوجود ونسي، لم يبق لقوس قلبها، ولم يعطها لباريها ربها، كأنما كان للنار عند القسي أوتار، وكأن نسخها كان محققا فجاءهم بقلم الطومار، أو كأن امتهانها كان معلقا بثلث الليل بعد ما رقت حواشيها ولم يقع عليها غبار، فكم قسي توفر من النار سهمها، وعظم بوهنها وهمها، وأقامتها النار بعد ما كانت حنايا، وأفنت قرنها وما اختلط بعظم أو الحوايا، لم تبطش ولها أيد، ولم تهرب ولها أرجل ولم تئنّ وهي مرنان، ولم تدفع الأذى عن نفسها ونفثها يقتل، ولم ينبسط لها إلى الدفع قبضة، ولم تصل إلى غرض، ولم ينبض لعرق وترها نبضة؛ قد قال لها لسان النار: هل سمعت بهذه الحادثة في ملحمة ابن عقب؟ أو اتصل بناؤها بقوس السحاب فانتظره وارتقب؛ كيف غفلت عن هذه النازلة، وأنت عدة قوم قليلا من الليل ما

<<  <  ج: ص:  >  >>