قال: فبينما هما في المناجاة، وتكرار المحاجاة، إذ جاء النار خير مالك، وأشرف من زهيت به الدول والممالك، فجاس خلال ضرامها، ودخل لظاها فتلقته ببردها وسلامها، وتتبع أثرها الذي آثر اقتلاعه واقتحمها، فتعلقت إذ تألقت في الجو، والفرار قدام الملوك طاعة، ولم ير تلك الساعة أحد أقرب منه إليها، ولا أسلط سطا منه عليها، وثب في جهاتها مماليكه وأمراؤه، وصغار بنيه وكبراؤه، فهم قوم:[الطويل]
إذا ركبوا زادوا المواكب بهجة ... وإن جلسوا كانوا صدور المجالس
فلم ير أسهل من خمودها، ولا أسرع من إبطال حركتها وجمودها؛ ونصر- أعز الله أنصاره- هذه الملة المحمدية، وحاز بهذه المنقبة الكرامة الأحمدية.
ولما رأيت مسك هذا الختام، وأن الجيش تعالى وانحط القتام، قلت:[السريع]
جاد ليطفي النار من اسمه ... بحر فأخفى زندها الواري
ومن يكن بحرا فلا غرو أن ... تطفا لظى منه بتيار
وقام في الله لدفع الأذى ... مؤيدا بالقدر الجبّار
وغير بدع أن يرد الردى ... بمرهف الحدين بتار
لأنه سيف ولم يدخر ... إلا لخطب طارق طار
واقتحم النار بوجه حكى ... بدر الدجى إذ لاح للساري
فانظر إليه وهو في وسطها ... تشاهد الجنة في النار
قال: ولم يزل الناس من أمر هذه النار في قلق، وحدس نفى عن قلوبهم القرار، ورمى جفونهم بالأرق، وحنق يود الصبح لو تنفس، والفجر معه لو انفلق، حتى أظهر الله تعالى أن النصارى قصدوا الجامع بذلك، وتخيلوا أن النار تلعب في