الجمة وقد زخر بحرها، وأثر في الألباب سحرها، وهذه الفضائل وكيف تفننت فنونها، وفتنت عيونها، وتهدلت بالثمرات أفنانها، وتزخرفت بالمحاسن جنانها، وهذه الألمعية وكيف ذهّبت الأصائل، وهذه اللوذعية وما أبقت مقالا لقائل، وهذه البراعة التي فاضت وكلّ منها سكران طافح، وهذه الفصاحة وما غادرت بين الجوانح، وهذه البلاغة التي سالت بأعناق المطي بها الأباطح «١» ، وهذه الحكم البوالغ، وهذه النعم السوابغ، وهذه الهمم التي ترقت بتوجهها إلى السماء، فكشفت غياية عارضها، وكفت غواية البرق وقد ولع خط مشيبه بخط عارضها، حتى جلاها وأضحاها، وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها
«٢» وجلا صدأ تلك الليلة عن صفيحة ذلك اليوم المشمس، وبدل بذلك الصحو المطبع من ذلك الغيم المؤنس، وأترع غدير ذلك النهار خالصا من الرنق، وضوّع غير ذلك الثرى خاليا من اللثق، وأطلع شمس ذلك اليوم يوشع جانب مشرقها، ويوشي بذائب الذهب رداء أفقها.
كما قلت:[السريع]
كأنما اليوم وقد موهت ... مشرقه الشمس ولا جاحد
ثوب من الشرب ولكنه ... طرّز منه كمّه الواحد
أستغفر الله، بل ذلك بشر ذلك البشر، بل الملك الكريم وصفيحة وجهه المتهلل الوسيم، لا بل صفيحة «٣» عمله وصفيحة أمله، وأنموذج راية الثناء عليه، وصنويده البيضاء وصنع يديه؛ فلله تلك اليد المقبلة، ولله تلك اليد المؤملة،