وحكي من ذكاء أبي العلاء أنّه لمّا سافر إلى بغداد دفع بعض أهله إلى خادمه الذي كان سافر معه لخدمته ماء من بئر بالمعرّة، يقال لها بئر القراميد، وقال له: إذا أراد العود من بغداد فاسقه من هذا الماء. فلمّا خرج من بغداد متوجّها إلى معرّة النعمان سقاه ذلك الماء، فقال أبو العلاء: ما أشبه هذا الماء بماء بئر القراميد!
وحكى القاضي الرشيد بن الزبير المصريّ «١» ، في كتاب" جنان الجنان"«٢» ، قال:
حدّثني القاضي أبو عبد الله محمد بن سنديّ القنّسريّ، قال: حدثني أبي، قال: بينما أنا عند أبي العلاء المعرّي، في الوقت الذي يملي فيه شعره المعروف بلزوم ما لا يلزم، فأملى في ليلة واحدة ألفي بيت، كان يسكت زمانا ثمّ يملي قريبا من خمسائة بيت، ثمّ يعود إلى الفكرة والعمل، إلى ان كمّل العدّة المذكورة.
ونقل أن رجلا من طلبة العلم باليمن وقع إليه كتاب في اللغة سقط أوّله، وأعجبه جمعه وترتيبه، فاتّفق أنّه حجّ فحمله معه، وكان إذا اجتمع بأديب أراه ذلك الكتاب وسأله عنه: هل يعرفه أو يعرف مصنّفه؟ فلم يجد أحدا يخبره بذلك. فأراه في بعض الأحيان لبعض الأدباء، وكان ممّن يعلم حال أبي العلاء وتبحره في العلم، فدلّه عليه. فخرج ذلك الرجل إلى الشام، ووصل إلى معرّة النعمان، فاجتمع بأبي العلاء، وعرّفه ما حمله على الرحلة إليه، وأحضر ذلك الكتاب/ ٣٤١/وهو مقطوع الأوّل. فقال له أبو العلاء: اقرأ منه شيئا. فقرأ عليه. فقال له أبو العلاء: هذا الكتاب اسمه كذا وكذا، ومصنّفه فلان بن فلان. ثم ابتدأ أبو العلاء فقرأ له أوّل الكتاب، إلى أن انتهى إلى ما هو عند ذلك الرجل.