لو أهديت إلى حضرة سيّدي الرّبيع يزهي بأحسن زهره، والبحر يتباهى بالنّفيس من جوهره، لكان عندي أنّي قصّرت واختصرت، فكيف بي ولا أقدر على أن أهدي زهره، ولا أنتزع صدفه، فدع الجوهرة. والرّائد لا يكذب أهله. فأمّا العبد إذا كذب سيّده فبعد ولا سعد. والذّاهل من لم يذكر أمسه، والجاهل من لم يعرف نفسه. ولنفسي أقول:
أعيت رياضة الهرم، واعتصار الماء من الجمر المضطرم. [إن كذبت، فعن الخير أعذبت] . ما اعتزلت، حتّى جددت وهزلت، فوجدتني لا أصلح لجدّ ولا هزل، فعندها رضيت بالأزل.
ما حمامة ذات طوق، يضرب بها المثل في الشّوق، كانت في وكر مصون، بين الشّجر والغصون، تألف من أبناء جنسها ريدا، فيتراسلان تغريدا، مسكنها نعمان الأراك، تأمن به غوائل الأشراك، وتمرّ في بكرتها بالبيت الحرام، لا تفرق لمكان صائد ولا رام، فغرّها القدر، فخرجت من الأرض المحرّمة، فأصبحت وهى جدّ مغرمة، صادها وليد في الحلّ، ما حفظ لها من إلّ، فأودعها سجنا للطير، ومنعها من كلّ مير، فإذا رأت من خصاص القفص بواكر الحمام، ظلّت تمارس جرع الحمام، تسأل بطرفها أخاها، ما فعل بعدها فرخاها؟ فيقول:
أصبحا ضائعين، قد سترهما الورق عن كلّ عين.
فريخان ينضاعان في الفجر كلّما ... أحسّا دويّ الرّيح أو صوت ناعب «١»
بأشواق إلى المعيشة النّضرة، منّي إلى تلك الحضرة. ولكن صنع الزّمان ما هو صانع، واعترض دون الخير موانع. حال الغص دون القصص، والجريض دون القريض. المورد نمير أزرق، ولكن المدنف بالشراب يشرق.
لمّا رأى لبد النّسور تطايرت ... رفع القوادم كالفقير الأعزل «٢»