للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو أنّ شوقه إلى حضرته تمثّل فمثل، وتجسّم حتّى يتوسّم، لملأ ذات الطّول والعرض، وشغل ما بين السماء والأرض، ولم يكتف حتّى يكلّف الخطوة، أن تسع صهوة، والراحة، أن تكون مثل الساحة. وبلغ وليّه السّلام الذي لو مرّ بسلمة وارية لأغدقت، أو سلمة عارية لأورقت، فحمل فؤادي من الطّرب على روق اليعفور، بل فوق جناح العصفور، فكأنّما رفعني الفلك، أو جاءني الملك.

منها:

وكدت لولا اشتمال المخاوف على هذه المحلّة، واشتعال الضمائر فيها بقبس الغلّة، أحسب سلامه السّلام الذي ذكره البارئ جلّ اسمه في قوله: ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ.

أفبلدتنا جنان، أم وضح لأهلها الغفران، أم نشروا بعد ما قبروا، أم جزوا الغرفة بما صبروا، فهم يلقّون فيها تحيّة وسلاما. وإن نالوا بمنهّ أوصاف الأتقياء الأبرار، فقد أنزلت بهم خلّة من خلال الأشقياء الكفّار، وذلك أنهم بأسد البلاغة افترسوا، وبأسبابها عقدت ألسنتهم عن الجواب فخرسوا، فكأنّما قيل لهم: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ. وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ

. وإنّما غرقوا في لجّ التّبانة فصمتوا، وسمعوا صواعق الإبانة فخفتوا، فقلم كاتبهم/ ٣٤٨/عود الناكت، وجواب بليغهم حيرة الساكت. على أنّهم قد راموا تصريف الخطاب فصرفوا، وعرفوا مكان فضله فاعترفوا، وتراءوه من مبارك العروج، فلمحوه في مآرك البروج، واستنهضتهم الهمم إلى مداناته فعجزوا، ووعدوا هواجسهم التّبلد فأنجزوا، ولن توجد آثار النّوق، في أوكار الأنوق، فهم يتأمّلون وميضه الآلق، ويحمدون الإله الخالق، على ما منحه سيّدهم من الاقتدار، بدقيق الأفكار، على إعادة اليمّ كالغدير المسمّى بالغدر، وإلحاق السّها بالقمر ليلة البدر، ولم يزل الماشي العازم، أسرع من راكب الرّازم، فكيف بمن امتطى به عزمه كتد الرّيح، وحكم له سعده بالسّعي النجيح، وخصّه بارئه بطبع راض، صعاب الأغراض، حتّى ذللها، وأبسّ بوحوش اللّغات فأهّلها، فصار حزن كلام العرب إذا نطق به سهلا، وركيكه إن أيّده بصنعته قويا جزلا. فمثله مثل جارسة

<<  <  ج: ص:  >  >>