استقال، وهدأ شيطانه وقال، وخرس إلا ما أضحك به الملك المعظم فقال.
وكان يعجب بنوادره، ويعجل إيماء الطرف ببوادره، ويقترح عليه في خواص مجلسه، ليخرج بينهم تلك الدّفائن، ويغرق في بحره الأجاج تلك السفائن، إلا من ركب ذلك البحر على خطر، أو وقف في طريقه ليقع منهم في حفر.
ولّما كان في العراق، حضر مجلس الإمام الرّازي، في يوم ذيول السّحب عليه مكفوفة، وعين الشمس به مطروفة، والثّلج قد بثّ في الجوّ سرايا نوره، وبعث من الأفق تحايا كافوره. وأري ماء كلّ غدير في إناء بلّوره. فسقطت لديه حمامة لزبها «١» خاطف، ووقعت عليه كما يستجير الخائف، فقام ابن عنين، وقال:«٢»[الكامل]
يا ابن الكرام المطعمين إذا شتوا ... في كلّ مخمصة وثلج خاشف «٣»
العاصمين إذا النفوس تطايرت ... بين الصوارم والوشيج الرّاعف «٤»
من نبّأ الورقاء أن محلّكم ... حرم وأنّك ملجأ للخائف
وفدت عليك وقد تدانى حتفها ... فحياتها ببقائها المستانف
لو أنّها تحبى بمال لانثنت ... من راحتيك بنائل متضاعف «٥»
جاءت سليمان الزمان حمامة ... والموت يلمع في جناحي خاطف «٦»