وكان المسترشد قد طرد نواب السلطان عن البلاد، ورتب صاحب المخزن للنظر في المظالم، فلما دخلنا قال له الوزير: يا مولانا، في نفس المملوك «١» شىء، فهل يؤذن له في المقال؟ فقال: قل، فقال: إلى أين نمضي وبمن نعتضد، وإلى من نلتجئ، ومقامنا ببغداد أمكن لنا، ولا يقصدنا أحد، والعراق ففيه لنا الكفاية، فإن الحسين بن علي عليهما السلام، لما خرج إلى العراق، جرى عليه ما جرى، ولو أقام بمكة، ما اختلف عليه أحد من الناس، فقال لي الخليفة: ما تقول يا كاتب؟ فقلت يا مولانا، الصواب المقام، وليت العراق يبقى لنا، فقال لصاحب المخزن: يا وكيلي، ما تقول؟ فقال ما في نفسي، وأنشد الخليفة قول المتنبي:«٢»
[الخفيف][ص ١٧٧]
وإذا لم يكن من الموت بدّ ... فمن العار أن تموت جبانا
وخرج، وخرجنا معه، فلما قاربنا همذان وقع المصاف بين الخليفة والسلطان مسعود بن محمد، بمكان يسمى داي مرك قرب همذان، فلما اصطفت العساكر فر من معسكرنا جميع الأتراك إلى ناحية السلطان، ثم وقع القتال، فانهزم الخليفة وأرباب المناصب، وحمل الوزير وصاحب المخزن وأنا ونقيب العلويين إلى قلعة سرجهك قريب قزوين، وبقي الخليفة مع السلطان، وسار معه في بلاد أذربيجان، إلى أن وصلوا إلى مراغة، فهجم على الخليفة ثلاثة نفر من الملاحدة والباطنية، وهو في خيمته، فقتلوه، وقتلوا معه ابن سكينة، وكان يصلي به، وذلك في يوم الخميس لأربع بقين من ذي القعدة سنة تسع وعشرين وخمس مائة، فلما قتل الخليفة أظهر السلطان مسعود الجزع العظيم والحزن الكثير، ودفن