وقدم مروان دمشق، وقد تضرمت فتنها وتضررت بحمل الحقود إحنها، فهدى به اضطرابها، وبالغت به بنو أمية وبدا اقترابها، ولكن بعد دماء طلّها، ودأماء «١» ساوى بالقتلى مطلها، فلما ظن أن السيف له قد دوخ، والمغير عليه قد نوّخ، واطمأنّ به وساده القلق، وعفي بالمسالمة عن جفنه الأرق، ثارت عليه من خراسان تلك الثائرة، وانقلبت عليه تلك الدائرة، وأظلت عليه الرايات العباسية، ليالي تطلع بدورا، ولمم شبيبة تتلألأ بها الوجوه نورا، فتراكم بسواد الشعار العباسي السيل، وأدبر بياض العلم المرواني في النهار، لإقبال الليل.
قال البلاذري: أم مروان كردية، أخذها أبوه من عسكر [ص ٣٠٢] ابن الأشتر، وكان مروان بخيلا، وبويع لأربع عشرة ليلة خلت من صفر سنة سبع وعشرين ومائة. وكان أبيض أحمر أزرق، أهدل الشفة، لا يخضب، ولم يكن بالذاهب طولا، وكنت إذا استدبرته ظننت أن على كتفيه رجلين جالسين، واسع الصدر. وكان يقول: اللهم لا تبلني بطلب ما لم تجعل لي فيه رزقا، وكان يقول في خطبته: اللهم اعلم بولينا وعدونا منا، فكن لنا وليا وحافظا، وكان غيورا جدا، وجد كتابا إلى جارية له من أمها، فقال: من أدخل هذا الكتاب، فقال خصي له: أنا، رحمت أمها لبكائها، فأخذت كتابها، فقطع يد الخصي.
وعرض الجند، فشكوا في حلية رجل فأسقطه، فقال: هلا بعين الجر خليتني، لما توافى القوم في الخندق فأجازه، وهو أول من حلى الجند، وفيه يقول الشاعر:
[الرجز]
يا أيها السائل عن مروانا ... دونك مروان بعسقلانا «٢»